كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

الثاني {والأبرص} وهو الذي به برص وهو بياض شديد يبقع الجلد ويذهب دمويته وإنما خص هذين المرضين بالذكر؛ لأنهما أعييا الأطباء وكان الغالب في زمن عيسى الطب فأراهم المعجزة من جنس ذلك، قال وهب: ربما اجتمع على عيسى من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفاً، من أطاق منهم أن يبلغه أتاه ومن لم يطق أتاه عيسى وما كانت مداواته إلا بالدعاء وحده على شرط الإيمان.
وإنما قال ثانياً {وأحيي الموت بإذن الله} وكرّر بإذن الله دفعاً لتوهّم الألوهية، فإنّ الإحياء ليس من جنس الأفعال البشرية، قال ابن عباس: قد أحيا عيسى أربعة أنفس: عازر وابن العجوز وابنة العاشر وسام بن نوح عليه السلام، فأمّا عازر فكان صديقاً له فأرسلت أخته إلى عيسى عليه السلام إنّ أخاك عازر يموت وكان بينه وبينه مسيرة ثلاثة أيام فأتى هو وأصحابه فوجدوه قد مات منذ ثلاثة أيام فقال لأخته: انطلقي بنا إلى قبره فانطلقت معهم إلى قبره فدعا الله سبحانه وتعالى فقام وخرج من قبره وبقي وولد له، وأما ابن العجوز فمرّ به ميتاً على عيسى يحمل على سرير فدعا الله تعالى عيسى فجعل على سريره ونزل عن أعناق الرجال ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله فبقي وولد له، وأما ابنة العاشر فكان رجلاً يأخذ العشور ماتت له بنت بالأمس فدعا الله تعالى فأحياها فبقيت وولد لها، وأما سام بن نوح فإنّ عيسى عليه السلام جاء إلى قبره ودعا فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه خوفاً من قيام الساعة وما كانوا يشيبون في ذلك الزمان فقال: قد قامت القيامة؟ فقال: لا ولكن قد دعوت الله تعالى فأحياك، ثم قال له: مت فقال: بشرط أن يعيذني الله تعالى من سكرات الموت فدعا الله تعالى ففعل به ما قال.
{وأنبئكم} أي: أخبركم {بما تأكلون} بما لم أعاينه {وما تدّخرون} أي: تخبئون {في بيوتكم} حتى تأكلوه فكان يخبر الرجل بما أكل البارحة وبما أكل اليوم وبما ادّخره للعشاء، وقال السدي: كان عيسى في الكتاب يحدث الغلمان بما تصنع آباؤهم، ويقول للغلام: انطلق فقد أكل أهلك كذا وكذا ورفعوا لك كذا وكذا قال: فينطلق الصبي إلى أهله ويبكي حتى يعطوه ذلك الشيء فيقولون: من أخبرك بهذا؟ فيقول: عيسى فحبسوا صبيانهم عنه وقالوا لهم: لا تلعبوا مع هذا الساحر فجمعوهم في بيت فجاء عيسى يطلبهم فقالوا: ليسوا ههنا قال: فما في هذا البيت؟ قالوا: خنازير قال عيسى: كذلك يكونوا ففتحوا عنهم فإذا هم خنازير ففشا ذلك في بني إسرائيل فهمت به بنو إسرائيل فلما خافت عليه أمّه حملته على حمار لها وخرجت هاربة إلى مصر، وقال قتادة: إنما هذا في المائدة وكان خواناً ينزل عليهم أينما كانوا كالمنّ والسلوى وأمروا أن لا يخونوا ولا يخبئوا لغد فخانوا وخبؤوا فجعل عيسى يخبرهم بما أكلوا من المائدة وادّخروا منها فمسخهم الله خنازير {إن في ذلك} الذي ذكرته لكم {لآية لكم إن كنتم مؤمنين} أي: مصدّقين للحق غير معاندين وقوله تعالى:

{ومصدّقاً} منصوب بإضمار فعل يدل عليه قد جئتكم أي: وجئتكم مصدّقاً {لما بين يدي} أي: قبلي {من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرّم عليكم} فيها في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام فأحل لهم أكل الشحوم والثروب وهو شحم رقيق يغشى الكرش والسمك ولحوم الإبل والعمل في السبت وقيل: أحل الجميع فبعض بمعنى كل كقول لبيد:

الصفحة 217