كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

يهودا رأس اليهود وأميرهم فزع لذلك وخاف دعوته فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى وساروا إليه ليقتلوه فبعث الله تعالى إليه جبريل فأدخله في خوخة في سقفها كوة فرفعه الله تعالى إلى السماء من تلك الكوة فأمر يهودا رأس اليهود رجلاً من أصحابه أن يدخل الخوخة ويقتله فلما دخل لم ير عيسى فأبطأ عليهم فظنوا أنه يقاتله فيها فألقى الله تعالى عليه شبه عيسى فلما خرج ظنوا أنه عيسى فقتلوه وصلبوه، فلما صلب جاءت أمّ عيسى وامرأة كان عيسى دعا لها فأبرأها الله تعالى من الجنون يبكيان عند المصلوب، فجاءهما عيسى فقال لهما: على من تبكيان؟ إنّ الله تعالى رفعني ولم يصبني إلا خير وإن هذا شبه لهم، فلما كان بعد سبعة أيام قال الله تعالى لعيسى: اهبط إلى مريم فإنه لم يبك عليك أحد بكاها ولم يحزن حزنها، ثم لتجمع لك الحواريين فبثهم في الأرض دعاة إلى الله عز وجل، فأهبطه الله تعالى إليها فاشتعل حين أهبط نور فجمعت له الحواريين، فبثهم في الأرض دعاة ثم رفعه الله تعالى إليه وتلك الليلة هي التي تدخن فيها النصارى، فلما أصبح الحواريون تحدث كل واحد منهم بلغة من أرسله عيسى عليه الصلاة والسلام إليهم.
وروي أنّ الله تعالى أرسل إليه سحابة فرفعته فتعلقت به أمه وبكت فقال لها: إنّ القيامة تجمعنا وكان ذلك ليلة القدر ببيت المقدس وله ثلاث وثلاثون سنة، وقالت أهل التواريخ: حملت مريم بعيسى ولها ثلاث عشر سنة وولدته لمضي خمس وستين سنة من غلبة الإسكندر على أرض بابل، فأوحى الله تعالى إليه على رأس ثلاثين سنة ورفعه إليه من بيت المقدس ليلة القدر من شهر رمضان وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت نبوّته ثلاث سنين وعاشت أمّه بعد رفعه ست سنين وقوله تعالى:
{إذ قال الله} ظرف لخير الماكرين أو لمكر الله أو لمضمر مثل اذكر {يا عيسى إني متوفيك} أي: مستوفي أجلك ومعناه إني عاصمك من أن يقتلك الكافر ومؤخرك إلى أجل كتبته لك ومميتك حتف أنفك لا قتلاً بأيديهم أو قابضك من الأرض. من توفيت مالي أي: قبضته أو متوفيك نائماً كما قال تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل} (الأنعام، 60) أي: يميتكم، إذ روي أنه رفع نائماً أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت {ورافعك إليّ} أي: إلى محل كرامتي ومقرّ ملائكتي، إذ روي أنّ الله تعالى رفعه وكساه الريش وألبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش وكان إنسياً سماوياً أرضياً، وقال محمد بن إسحاق: النصارى يزعمون أن الله تعالى توفاه سبع ساعات من النهار ثم أحياه ورفعه. وقال الضحاك: إنّ في الآية تقديماً وتأخيراً معناه إني رافعك إليّ {ومطهرك من الذين كفروا} أي: مخرجك من بينهم ومنجيك منهم ومتوفيك بعد إنزالك من السماء.
روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» .
وروى الشيخان حديث: «أنه ينزل قرب الساعة ويحكم بشريعة نبينا ويقتل الدجال والخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية» وفي حديث مسلم أنه يمكث سبع سنين، وفي حديث عند أبي داود والطيالسي «أربعين سنة» ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون، فيحمل على أنّ مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده أربعون، وقيل للحسين بن الفضل: هل تجد نزول

الصفحة 220