كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} » (الأحزاب، 33) ، وفي ذلك دليل على نبوّته صلى الله عليه وسلم وعلى فضل أهل الكساء رضي الله تعالى عنهم وعن بقية الصحابة أجمعين.
فائدة: رسمت لعنة هنا بالتاء المجرورة، ووقف ابن كثير وأبو عمرو والكسائي عليها بالهاء، والباقون بالتاء.

{إن هذا} أي: الذي قص عليك من نبأ عيسى {لهو القصص} أي: الخبر {الحق} الذي لا شك فيه، وقرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء من لهو والباقون بالرفع حيث جاء وهو إما فصل بين اسم إن وخبرها وإمّا مبتدأ والقصص الحق خبره والجملة خبران.

فإن قيل: لم جاز دخول اللام على الفصل؟ أجيب: بأنه إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل أولى؛ لأنه أقرب إلى المبتدأ وأصلها أن تدخل على المبتدأ {وما من إله إلا الله} إنما صرح فيه بمن المزيدة للإستغراق تأكيداً للردّ على النصارى في تثليثهم {وإن الله لهو العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه فلا أحد يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة فلا يشاركه في الألوهية.
{فإن تولوا} أي: أعرضوا عن الإيمان {فإنّ الله عليم بالمفسدين} فيجازيهم وفيه وضع الظاهر موضع المضمر ليدل على أنّ التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين والإعتقاد المؤدّي إلى فساد النفس بل وإلى فساد العالم.

ولما قدم وفد نجران المدينة والتقوا مع اليهود واختصموا في إبراهيم صلى الله عليه وسلم فزعمت النصارى أنه كان نصرانياً وهم على دينه وأولى الناس به، وقالت اليهود: بل كان يهودياً وهم على دينه وأولى الناس به، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفاً مسلماً وأنا على دينه فاتبعوا دينه الإسلام» فقالت اليهود: يا محمد ما تريد إلا أن نتخذك رباً كما اتخذت النصارى عيسى، وقالت النصارى: يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير، نزل.

{قل يا أهل الكتاب} وهو يعم أهل الكتابين وهم اليهود والنصارى {تعالوا إلى كلمة} العرب تسمي كل قصة لها شرح كلمة ومنها سميت القصيدة كلمة، وقوله تعالى: {سواء} مصدر بمعنى مستو أمرها لا تختلف فيها الرسل والكتب {بيننا وبينكم} هو نعت الكلمة؛ لأنّ المصادر لا تثنى ولا تجمع ولا تؤنث، فإذا فتحت السين مدّت وإذا كسرت أو ضمت قصرت كقوله تعالى: {مكاناً سوى} (طه، 58) ثم فسر الكلمة بقوله: {أن لا نعبد إلا الله} أي: نوحده بالعبادة ونخلص له فيها {ولا نشرك به شيئاً} أي: ولا نجعل غيره شريكاً له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلاً؛ لأن يعبد {ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله} أي: ولا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل، لأنهم بشر مثلنا.
روى الترمذي لما نزل قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله} قال عدي بن حاتم: ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال: «أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال: نعم قال: هو ذلك» أي: أخذكم بقولهم {فإن تولوا} أي: أعرضوا عن التوحيد {فقولوا} أنتم لهم {اشهدوا بأنا مسلمون} أي: موحدون دونكم فقد لزمتكم الحجة فوجب عليكم أن تعترفوا بذلك، كما يقول الغالب للمغلوب في جدال أو صراع أو نحو ذلك:

الصفحة 223