كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

ذهباً فأدّاه إليه {ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤدّه إليك} كفنحاص بن عازوراء استودعه رجل آخر من قريش ديناراً فجحده {إلا ما دمت عليه قائماً} أي: إلا إن أودعته واسترجعته منه وأنت قائم على رأسه لم تفارقه ردّه إليك وإن فارقته وأخرته نكل ولم يردّه، وقيل: المأمون على الكثير النصارى لغلبة الأمانة عليهم، والخائنون في القليل اليهود لغلبة الخيانة عليهم، وقرأ حمزة وأبو عمرو وشعبة يؤدّه ولا يؤدّه إليك بإسكان الهاء فهو وصل بنية الوقف فهو سكون وقف بالنية لا بالفعل وقالون باختلاس حركة الهاء، وحفص والكسائي بالحركة الكاملة والألف في قنطار ودينار بالإمالة لأبي عمرو والدوري عن الكسائي وورش بينَ بين والباقون بالفتح {ذلك} أي: ترك الأداء المدلول عليه بقوله تعالى لا يؤدّه {بأنهم قالوا} أي: بسبب قولهم {ليس علينا في الأمّيين} أي: العرب {سبيل} أي: إثم لاستحلالهم ظلم من خالفهم ونسبوا ذلك إلى الله تعالى قالوا: لن يجعل الله لهم في التوراة حرمة فكذبهم الله عز وجل بقوله عز من قائل {ويقولون على الله الكذب} أي: في نسبة ذلك إليه {وهم يعلمون} أنهم كاذبون وقال الحسن وابن جريج ومقاتل: بايع اليهود رجلاً من المسلمين في الجاهلية، فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا: ليس لكم علينا حق ولا عندنا قضاء؛ لأنكم تركتم دينكم وانقطع العهد بيننا وبينكم وادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم، فكذبهم الله تعالى في ذلك.
روى الطبراني وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه «كذب أعداء الله ما من شيء في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي» أي: منسوخ متروك إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر أي: والديون من الأمانة؛ لأنّ المراد من الأمانة الرضا بالذمّة وقوله تعالى:
{بلى} إثبات لما نفوه أي: بلى على اليهود في الأمّيين سبيل ثم ابتدأ فقال: {من أوفى بعهده} أي: ولكن من أوفى بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وأداء الأمانة {واتقى} الله بترك المعاصي وفعل الطاعات {فإن الله يحب المتقين} فيه وضع الظاهر موضع المضمر أي: يحبهم بمعنى يثيبهم.
فإن قيل: فأين الضمير الراجع من الخبر إلى من؟ أجيب: بأنّ عموم المتقين قام مقام رجوع الضمير.
ونزل في أحبار من اليهود حرفوا التوراة وبدلوا نعت محمد صلى الله عليه وسلم وحكم الأمانة وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة.
{إن الذين يشترون} أي: يستبدلون {بعهد الله} إليهم في الإيمان للنبيّ صلى الله عليه وسلم والوفاء بأداء الأمانة {وإيمانهم} أي: حلفهم به تعالى كاذباً من قولهم: والله لنؤمننّ ولننصرنه {ثمناً قليلاً} من الدنيا {أولئك لا خلاق} أي: لا نصيب {لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله} أي: بما يسرّهم أو بشيء أصلاً وأنّ الملائكة يسألونهم يوم القيامة {ولا ينظر إليهم} أي: ولا يرحمهم {يوم القيامة ولا يزكيهم} أي: ولا يثني عليهم بالجميل ولا يطهرهم من الذنوب {ولهم عذاب أليم} أي: مؤلم وقيل: نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به وقيل: نزلت في جماعة من اليهود جاؤوا إلى كعب بن الأشرف في سنة أصابتهم ممتارين فقال لهم: أتعلمون أنّ هذا الرجل رسول الله قالوا: نعم قال: لقد هممت أن أميركم وأكسوكم فحرمكم الله خيراً كثيراً فقالوا: لعله اشتبه علينا فرويداً حتى نلقاه فانطلقوا فكتبوا صفة غير صفته ثم رجعوا إليه

الصفحة 226