كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

وقالوا: لقد غلطنا وليس هو بالنعت الذي نعت لنا ففرح ومارهم، وعن الأشعث بن قيس: «نزلت فيّ كان بيني وبين رجل خصومة في بئر وأرض، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: شاهداك أو يمينه فقلت: إذا يحلف ولا يبالي فقال: من حلف على يمين يستحق بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك هذه الآية» .
وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرّات فقال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: «المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» وفي رواية المسبل إزاره، وعن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولهم عذاب أليم رجل حلف على يمين على مال مسلم فاقتطعه، ورجل حلف يميناً بعد صلاة العصر أنه أعطى بسلعته أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل منع فضل ماء، فإنّ الله تعالى يقول: «اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» .

أي: أهل الكتاب {لفريقاً} أي: طائفة ككعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن أخطب {يلوون ألسنتهم بالكتاب} أي: يقتلونها بقراءته عن المنزل إلى ما حرفوه من نعت النبيّ صلى الله عليه وسلم وآية الرجم وغير ذلك يقال: لوى لسانه عن كذا أي: غيره {لتحسبوه} أي: المحرف المدلول عليه بقوله تعالى: {يلوون} {من الكتاب} الذي أنزل الله {وما هو من الكتاب} قرأ ابن عامر وعاصم بفتح السين والباقون بكسرها، وقوله تعالى: {ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله} تأكيد لقوله {وما هو من الكتاب} وزيادة تشنيع عليهم به وبيان لأنهم يزعمون ذلك تصريحاً لا تعريضاً أي: ليس هو نازلاً من عنده.
فإن قيل: نفى الله تعالى كون التحريف من عنده وهو فعل العبد فلا يكون فعل العبد مخلوقاً لله تعالى وإلا لما صح نفيه عنه تعالى أجيب: بأنّ المنفي هو الإنزال كما تقرّر ولا كون التحريف غير مخلوق لله تعالى بكسب العبد وقوله تعالى: {ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} تأكيد أيضاً وتسجيل عليهم بالكذب والتعمد فيه واختلف في سبب نزول قوله تعالى:
{ما كان} أي: ما ينبغي {لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم} أي: الفهم للشريعة {والنبوّة} أي: المنزلة الرفيعة بالإنباء {ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله} فقال مقاتل والضحاك: نزلت في نصارى نجران كانوا يقولون: إن عيسى أمرهم أن يتخذوه رباً فقال تعالى: {ما كان لبشر} أي: عيسى {أن يؤتيه الله الكتاب} أي: الإنجيل، وقال ابن عباس وعطاء: ما كان لبشر أي: محمد أن يؤتيه الله الكتاب أي: القرآن وذلك «أن أبا رافع القرظي من اليهود والسيد من نصارى نجران قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً؟ فقال: «معاذ الله أن نأمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني الله ولا بذلك أمرني» فنزلت.
وقيل: «قال رجل: يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال: «ما ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله» والبشر جميع بني آدم لا واحد له من لفظه كالقوم ويوضع موضع الجمع والواحد {ولكن} يقول: {كونوا ربانيين} أي: علماء عاملين منسوب إلى الرب بزيادة ألف ونون تفخيماً كما يقال رقباني

الصفحة 227