كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

من العذاب ووجه الأبلغية في ذلك تصديره بألا المنبهة على تحقيق ما بعدها فإن همزة الاستفهام التي للإنكار إذا دخلت على النفي أفادت تحقيقاً وبأنّ المقرّرة للنسبة وتعريف الخبر وتوسط ضمير الفصل والاستدراك بلا يشعرون.
{وإذا قيل لهم آمنوا} هذا من تمام النصح والإرشاد فإنّ كمال الإيمان بمجموع أمرين: الإعراض عما لا ينبغي وهو المقصود بقوله: لا تفسدوا والإتيان بما ينبغي وهو المطلوب بقوله: {آمنوا} . {كما آمن الناس} أي: كإيمان الناس الكاملين في الإنسانية الموافق باطنهم فيه لظاهرهم العاملين بقضية العقل، فاللام في الناس للجنس فإنّ اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقاً يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه، أو للعهد، والمراد به الرسول ومن معه، أو عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب. وقرأ هشام والكسائي: قيل، بإشمام القاف وهو أن تضم القاف قبل الباء، ولورش في الهمزة من آمنوا وآمن المدّ والتوسط والقصر {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء} أي: الجهال، فاللام في السفهاء للعهد وهم من تقدّم، أو لجنس السفهاء بأسرهم وإنما سفهوهم لاعتقاد فساد رأيهم، أو لتحقير شأنهم فإنّ أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه.

قال الله تعالى رداً عليهم أبلغ رد: {ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون} أنهم سفهاء بما فعلوه من إبطان غير ما أظهروه، ووجه الأبلغية في تجهيلهم أنّ الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر.
فإن قيل: كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم: أنؤمن كما آمن السفهاء؟ أجيب: بأنّ هذا القول كانوا يقولونه فيما بينهم لا عند المؤمنين فأخبر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك والسفه خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل والعلم يقابله.
فإن قيل: لم عبر في هذه الآية بلا يعلمون وفي التي قبلها بلا يشعرون؟ أجيب: بأنّ التعبير بلا يعلمون أكثر مطابقة لذكر السفه لأن السفه جهل فطابقه العلم ولأنّ أمر الإيمان أخروي يحتاج إلى دقة نظر، فعبر في الآية التي اشتملت عليه بلا يعلمون، وأمر البغي والفساد دنيوي فهو كالمحسوس لا يحتاج إلى دقة نظر، فعبر في الآية التي اشتملت عليه بلا يشعرون، ويشعر مضارع شعر، يقال: شعرت كذا، أي: حسست به أو أدركته، أي: فطنت له، وقد استعمل بالمعنى الأوّل في قوله: {وما يشعرون} وفي الثاني بقوله: {لا يشعرون} كما يعلم مما به قررته في الآيتين، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي: السفهاء ألا، بتحقيق الهمزتين، وكذا كل همزتين وقعتا في كلمتين اتفقتا أو اختلفتا، والباقون وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وبإبدال الثانية واواً خالصة.
{س2ش14/ش17 وَإِذَا لَقُوا? الَّذِينَءَامَنُوا? قَالُو?ا? ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا? إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُو?ا? إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُو?لَا??ـ?ِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا? الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا? مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِى اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ? ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ s يُبْصِرُونَ}
{وإذا لقوا الذين آمنوا} اللقاء المصادقة وهي الإجتماع من غير مواعدة يقال: لقيته ولاقيته إذا صادفته واستقبلته، وأصل لقوا لقيوا حذف الضمة للاستثقال ثم الياء لالتقائها ساكنة مع الواو {قالوا آمنا} أي: كإيمانكم {وإذا خلوا} منهم ورجعوا {إلى شياطينهم} أي: الذين ماثلوا الشياطين في تمردهم وهم المظهرون كفرهم وإضافتهم إليهم للمشاركة في الكفر، أو كبار المنافقين والقائلون صغارهم {قالوا إنا معكم} أي: في الدين والاعتقاد خاطبوا المؤمنين بالجملة الفعلية ومماثلي الشياطين

الصفحة 25