كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

سأطلب حقي بالقنا ومشايخ ... كأنهم من طول ما التثموا مرد*
*ثقال إذا لاقوا خفاف إذا دعوا ... قليل إذا عدّوا كثيراً إذا شدوا*
وقال: إن الكرام كثير (أي: كرماً) في البلاد وإن قلوا (أي: عدداً) ، كما غيرهم (قل بضم القاف وكسرها أي: قليل كرماً) وإن كثروا.
أي: عدداً {وما يضلّ به إلا الفاسقين} أي: الخارجين عن حدّ الإيمان بالكفر كقوله تعالى: {إنّ المنافقين هم الفاسقون} (التوبة، 67) وتخصيص الإضلال بهم مرتباً على صفة الفسق يدل على أنه الذي أعدهم للإضلال وأدى بهم إلى الضلال بالمثل وسبب ضلالتهم به أن كفرهم وعدولهم عن الحق وإصرارهم بالباطل صرفت وجوه أفكارهم عن حكمة المثل إلى حقارة الممثل به حتى رسخت به جهالتهم وازدادت به ضلالتهم فأنكروا المثل واستهزؤوا به، وأمّا الفاسق في الشرع فهو الخارج عن أمر الله بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة ولم تغلب طاعاته على معاصيه ولا يخرجه ذلك عن الإيمان إلا إذا اعتقد حل المعصية سواء أكانت كبيرة أم صغيرة قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} (الحجرات، 9) والمعتزلة جعلوا الفاسق قسماً ثالثاً نازلاً بين منزلتي المؤمن والكافر لمشاركة كل واحد منهما في بعض الأحكام.
ثم بين سبحانه وتعالى صفة الفاسقين بقوله: {الذين ينقضون عهد الله} وهو إمّا المأخوذ بالعقل وهو الحجة القائمة على عباده الدالة على توحيده ووجوب وجوده وصدق رسله وعليه يدلّ قوله تعالى: {وأشهدهم على أنفسهم} (الأعراف، 172) وإمّا المأخوذ بالرسل على الأمم بأنهم إذا بعث إليهم رسول مصدّق بالمعجزات صدّقوه واتبعوه ولم يكتموا أمره ولم يخالفوا حكمه وعليه يدل قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب} (آل عمران، 187) الآية وقيل: عهود الله ثلاثة: عهد أخذه بواسطة العقل على جميع ذرّية آدم بأن يقروا بربوبيته، وعهد أخذه بواسطة الملك على النبيين بأن يقيموا الدين ولا يتفرّقوا فيه، وعهد أخذه بواسطة الرسل على العلماء بأن يبينوا الحق ولا يكتموه، وقوله تعالى: {من بعد ميثاقه} أي: توكيده، يحتمل عود الضمير للعهد فهو من إضافة المصدر إلى المفعول أو لله فهو من إضافة المصدر إلى الفاعل، قال البيضاويّ: ويحتمل أن يكون بمعنى المصدر واعترض: بأنّ النحويين لم يذكروا مفعالاً في صيغ المصادر، وأصله أن يكون وصفاً كمطعام ومسقام. وأجيب: بحمل ذلك على أنه اسم واقع موقع المصدر كما يشير إليه قوله بمعنى المصدر: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} وهو الرحم لأنهم قطعوا رحم النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمعاداة معه، ويحتمل كل قطيعة لا يرضاها الله تعالى كقطع الرحم والإعراض عن موالاة المؤمنين والتفرقة بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والكتب في التصديق وترك الجماعات وسائر ما فيه رفض خير أو تعاطي شرّ فإنه يقطع الوصلة بين الله وبين العبد المقصودة بالذات من كل وصل وفصل والأمر هو القول الطالب للفعل، وقيل: مع العلوّ، وقيل: مع الاستعلاء، وأن يوصل بدل من الهاء، وقرأ ورش بتغليظ اللام وصلاً وإذا وقف رقق وغلظ وأدغم خلف النون في الياء بغير غنة {ويفسدون في الأرض} بالمعاصي وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والاستهزاء
بالحق وقطع الوصل التي بها نظام العالم وصلاحه {أولئك هم الخاسرون} بفوات التوبة والمصير إلى العقوبة بإهمال

الصفحة 41