كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

ولم نجد له عزماً} (طه، 115) ولكن عوقب بترك التحفظ عن أسباب النسيان إذ رفع الإثم بالنسيان من خصائص هذه الأمّة كما ثبت في الأخبار الصحيحة كخبر الشيخين: «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» .
وروى الترمذيّ وصححه: «أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل» رواه الحاكم بلفظ «أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون.
الرابع: أنه عليه الصلاة والسلام أقدم عليه بسبب اجتهاد أخطأ فيه فإنه ظنّ أن النهي للتنزيه أو الإشارة إلى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها، وكان المراد بالإشارة الإشارة إلى النوع لا إلى شجرة معينة كما روى أبو داود وغيره «أنه عليه الصلاة والسلام أخذ حريراً وذهباً بيده وقال: هذان حرام على ذكور أمّتي حلّ لإناثها» .
فإن قيل: المجتهد إن أخطأ لا يؤاخذ. أجيب: بأنه إنما عوتب على ذلك تعظيماً لشأن الخطيئة ليجتنبها أولاده. وقرأ ورش بإمالة ألف النار بين بين، وقرأ أبو عمرو والدوري عن الكسائي بالامالة المحضة، والباقون بالفتح.
{يا بني إسرائيل} أي: أولاد يعقوب وإسرائيل لقبه، ومعنى إسرا بالعبرانية عبد وإيل الله فمعناه: عبد الله، وقيل: صفوة الله صلى الله عليه وسلم {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} أي: بالتكثر فيها والقيام بشكرها، والذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، وتقييد النعمة بهم لأن الإنسان غيور حسود بالطبع فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط وإن نظر إلى ما أنعم به عليه حمله حب النعمة على الرضا والشكر لله، وقيل: أراد بها ما أنعم على آبائهم من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه وإنزال المنّ والسلوى وغير ذلك من النعم التي لا تحصى قال الله تعالى: {وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها} (إبراهيم، 34) (النحل، 18) {وأوفوا بعهدي} أي: بامتثال أمري ومنه ما عهدت إليكم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم {أوف بعهدكم} أي: الذي عهدته إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة.
تنبيه: للوفاء بالعهد درجات كثيرة: فأوّل مراتبه منا هو الإتيان بكلمتي الشهادتين، ومن الله تعالى حقن الدماء والمال، وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلاً عن غيره، ومن الله تعالى الفوز بالغنى الدائم، وأمّا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن {أوفوا بعهدي} في اتباع محمد {أوف بعهدكم} في رفع الآصار أي: الأثقال والأغلال، وعن غير ابن عباس: أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب، أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيمم المقيم فبالنظر إلى الوسايط {وإياي فارهبون} فيما تأتون وتذرون وخصوصاً في نقض العهد، والرهبة خوف مع تحرز.
تنبيه: الآية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وأنّ المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحداً إلا الله.
{وآمنوا بما أنزلت} من القرآن، وقوله تعالى: {مصدّقاً} حال مؤكدة مما أنزلت أو من ضميره المحذوف {لما معكم} من التوراة بموافقته له ولغيره من الكتب الإلهية في القصص ونعت النبيّ صلى الله عليه وسلم والمواعيد والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش وفيما يخالفها من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحد منها

الصفحة 53