كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

رمى} أي: ولينعم عليهم نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة، ثم ختم الله تعالى هذه الآية بقوله تعالى: {إنّ الله سميع} لأقوالكم {عليم} بأحوال قلوبكم وهذا جرى مجرى التحذير والترهيب؛ لئلا يغترّ العبد بظواهر الأمور ويعلم أنّ الخالق تعالى يطلع على ما في الضمائر والقلوب، وقوله تعالى:
{ذلكم} إشارة إلى البلاء الحسن، ومحله الرفع أي: الغرض ذلكم، وقوله تعالى: {وإنّ الله موهن كيد الكافرين} معطوف على «ذلكم» أي: المقصود إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين وإبطال حيلهم.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الواو وتشديد الهاء وتنوين النون ونصب الدال، وقرأ حفص بسكون الواو وتخفيف الهاء وعدم تنوين النون وخفض الدال والباقون بسكون الواو وتخفيف الهاء مع تنوين النون ونصب الدال وقوله تعالى:
{إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} أكثر المفسرين على أنه خطاب للكفار.
روي أنّ أبا جهل لعنه الله قال يوم بدر: اللهمّ أينا كان أقطع للرحم وأفجر فأهلكه الغداة، وقال السدي: إنّ المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهمّ انصر أعلى الجندين وأهدى القبيلتين وأكرم الحزبين بأفضل الدين، فأنزل الله تعالى هذه الآية أي: «إن تستنصروا لأهدى القبلتين وتستقضوا، فقد جاءكم النصر والقضاء بهلاك من هو كذلك، وهو أبو جهل، ومن قتل معه دون النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

وقيل: خطاب للمؤمنين وذلك إنه صلى الله عليه وسلم لما رأى المشركين وكثرة عددهم وعددهم استغاث بالله تعالى وطلب ما وعده الله تعالى به من إحدى الطائفتين، وتضرع إلى الله تعالى، وكذلك الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فقال تعالى: {إن تستفتحوا} أي: إن تطلبوا النصر الذي تقدّم به الوعد فقد جاءكم الفتح أي: حصل ما وعدتم فاشكروا الله تعالى والزموا الطاعة.
قال القاضي عياض: وهذا القول أولى؛ لأنّ قوله تعالى: {فقد جاءكم الفتح} لا يليق إلا بالمؤمنين، اه.
وقال البيضاوي إنه خطاب لأهل مكة عن سبيل التهكم اه. ويدل له قوله تعالى: {وإن تنتهوا} أي: عن الكفر ومعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم {فهو خير لكم} أي: لتضمنه سلامة الدارين وخير المنزلتين {وإن تعودوا} أي: لقتال النبيّ صلى الله عليه وسلم {نعد} أي: لنصرته عليكم {ولن تغني} أي: تدفع {عنكم فئتكم} أي: جماعتكم {شيئاً} ؛ لأنّ الله تعالى على الكافرين فيخذلهم {ولو كثرت} فئتكم {وإنّ الله مع المؤمنين} بالنصر والمعونة، وقرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الهمزة على ولأنّ الله تعالى والباقون بالكسر على الاستئناف.
{يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا} أي: تعرضوا {عنه} أي: الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة أمره، فإنّ المراد من الآية الأمر بطاعته والنهي عن الإعراض عنه، وذكر طاعة الله للتوطئة والتنبيه على أنّ طاعة الله في طاعة الرسول لقوله تعالى: {من يطع الرسول فقد أطاع الله} (النساء، 80)
وقيل: الضمير للجهاد {وأنتم تسمعون} أي: القرآن والمواعظ سماع فهم وتصديق.
{ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا} أي: بألسنتهم {وهم لا يسمعون} سمعاً ينتفعون به، وهذه صفة المنافقين.
{إنّ شر الدواب عند الله} أي: إنّ شر من دب على وجه الأرض من خلق الله عنده {الصم} عن سماع الحق {البكم} عن النطق بالحق فلا يقولونه {الذين لا يعقلون} أمر الله، وسماهم دواب

الصفحة 563