كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

لقلة انتفاعهم بعقولهم كما قال تعالى: {أولئك كالأنعام بل هم أضل} (الأعراف، 179)
قال ابن عباس: هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون: نحن صم بكم عما جاء به محمد، فقتلوا جميعاً بأحد وكانوا أصحاب اللواء، ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة.
{ولو علم الله فيهم خيراً} أي: سعادة كتبت لهم أو انتفاعاً بالآيات {لأسمعهم} سماع تفهم {ولو أسمعهم} على سبيل الفرض، وقد علم أن لا خير فيهم {لتولوا} عنه ولم ينتفعوا به وارتدّوا عن التصديق والقبول {وهم معرضون} لعنادهم وجحودهم الحق بعد ظهوره، وقيل: إنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحي لنا قصياً فإنه كان شيخاً مباركاً يشهد لك بالنبوّة، فنؤمن بك، فقال الله تعالى: ولو أسمعهم كلام قصي لتولوا وهم معرضون.

{ياأيها الذين آمنوا استجيبوا وللرسول} أي: أجيبوهما بالطاعة، ووحد الضمير في قوله تعالى: {إذا دعاكم} ؛ لأنّ دعوة الله تعالى تسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم
روى الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم مرّ على أبيّ بن كعب وهو يصلي فدعاه، فعجل في صلاته ثم جاء، فقال له صلى الله عليه وسلم «ما منعك عن إجابتي؟» قال: كنت أصلي، قال: «ألم تجد فيما أوحي إليّ {استجيبوا وللرسول} ؟ ويؤخذ من ذلك أنّ إجابته صلى الله عليه وسلم بالقول: لا تقطع الصلاة، وهو كذلك، بل ولا بالفعل الكثير كما قاله بعض أصحابنا، وهو ظاهر الحديث أيضاً.
ولما كان اجتناء ثمرة الطاعة في غاية القرب منه نبه على ذلك باللام دون إلى فقال: {لما يحييكم} من العلوم الدينية فإنها حياة القلوب والجهل موتها، قال أبو الطيب:
*لا تعجبنّ الجهول حليته ... فذاك ميت وثوبه كفن*
أو مما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد، وقال السدي: هو الإيمان؛ لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان، وقال ابن إسحق: هو الجهاد أعزكم الله تعالى به بعد الذل، وقال العتبي: هو الشهادة لقوله تعالى: {بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران، 169)
{واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه} أي: إنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليماً كما يردّه الله تعالى، فاغتنموا هذه الفرصة وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله.
وقال الضحاك: يحول بين المرء المؤمن والمعصية وبين الكافر والطاعة، وقال السدي: يحول بين المرء وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه، وقال مجاهد: يحول بين المرء وقلبه، فلا يعقل ولا يدري ما يعمل.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قالوا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: «القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء» {وإنه} أي: واعلموا أنه تعالى: {إليه تحشرون} لا إلى غيره فلا تتركوا مهملين معطلين فيجازيكم بأعمالكم وفي هذا تشديد في العمل وتحذير عن الكسل والغفلة.

{واتقوا فتنة} أي: ذنباً، قيل: هو إقرار المنكر بين أظهرهم، وقيل: افتراق الكلمة، وقيل: فتنة عذاباً، وقوله تعالى: {لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} جواب الأمر، والمعنى إن إصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة، ولكنها تعمكم، كما يحكى إنّ علماء بني إسرائيل لم ينهوا عن المنكر، فعمهم الله تعالى بالعذاب.

فإن قيل: كيف جاز أن تدخل

الصفحة 564