كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

وألحق بها {بسم الله مجراها ومرساها} (هود، 41) و {أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم} (النحل، 30) وإن لم تكتب في القرآن إلا مرّة واحدة لشبهها لها صورة.
فإن قيل: لم حذف في بسم الله دون الله والرحمن الرحيم؟ أجيب: خطان لا يقاس عليهما: خط المصحف وخط العروضيين، ولا تحذف الألف إذا أضيف الاسم لغير الله ولا مع غير الباء. والاسم مشتق من السموّ وهو العلوّ لأنه رفعة للمسمى وشعار له فهو من الأسماء المحذوفة الإعجاز، كيد ودم، لكثرة الاستعمال وبنيت أوائلها على السكون وأدخل عليها مبتدأ بها همزة الوصل لتعذر الابتداء بالساكن ولأن من دأبهم أن يبتدئوا بالمتحرّك ويقفوا على الساكن، وقيل من الوسم، وهو العلامة فوزنه على الأوّل أفع محذوف اللام، وعلى الثاني أعل محذوف الفاء، وفيه عشر لغات نظمها بعضهم في بيت فقال:

*سم وسما واسم بتثليث أوّل ...
لهنّ سماء عاشر تمت انجلي*
والاسم إن أريد به اللفظ فغير المسمى لأنه يتألف من أصوات مقطعة غير قارّة ويختلف باختلاف الأمم والأعصار، ويتعدّد تارة ويتحد أخرى، والمسمى لا يكون كذلك وإن أريد به ذات الشيء فهو المسمى لكنه لم يشتهر بهذا المعنى، وقوله: {سبح اسم ربك الأعلى} (الأعلى، 1) المراد به اللفظ لأنه كما يجب تنزيه ذاته تعالى وصفاته يجب تنزيه الألفاظ الموضوعة لها عن الرفث وسوء الأدب، أو الاسم فيه مقحم كما في قول الشاعر:
*إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر*
وإن أريد به الصفة كما هو رأي أبي الحسن الأشعري انقسم انقسام الصفة عنده إلى ما هو نفس المسمى كالواحد والقديم وإلى ما هو غيره كالخالق والرازق وإلى ما ليس هو ولا غيره كالعلم والقدرة فإنهما زائدان على الذات وليسا غير الذات لأنّ المراد بالغير ما ينفك عن الذات وهما لا ينفكان.
فإن قيل: لم بدأ ببسم الله دون بالله، أجيب: بأن التبرك والاستعانة بذكر اسمه وللفرق بين اليمين والتيمن. والله علم على الذات الواجب الوجود، المستحق لجميع المحامد وأصله إله، قال الرافعي: كإمام، ثم أدخلوا عليه الألف واللام ثم حذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى اللام فصار اللاه بلامين متحرّكين ثم سكنت الأولى وأدغمت في الثانية للتسهيل، انتهى. والإله في الأصل يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق كما أنّ النجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا، والحق أنه أصل بنفسه غير مأخوذ من شيء بل وضع علماً ابتداءً فكما أنّ ذاته لا يحيط بها شيء ولا ترجع إلى شيء فكذا اسمه تعالى، وقيل: مأخوذ من أله إذا تحير، إذ العقول تتحير في معرفته، وقيل غير ذلك، وهو عربيّ عند الأكثر وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم وقد ذكره الله تعالى في ألفين وثلثمائة وستين موضعاً واختار النوويّ تبعاً لجماعة أنه الحيّ القيوم قال: ولذلك لم يذكر في القرآن إلا في ثلاثة مواضع في البقرة، وآل عمران، وطه.
والرحمن الرحيم صفتان مشبهتان بنيتا للمبالغة من رحم بتنزيله منزلة اللازم أو بجعله لازماً ونقله إلى فعل بالضمّ. والرحمة لغة رقة في القلب تقتضي التفضل والإحسان، فالتفضل غايتها. وأسماء الله تعالى المأخوذة من نحو ذلك إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادي التي تكون إنفعالات فرحمة

الصفحة 6