كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

شعار، والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» وعن رافع بن خديج أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن والأقرع بن حابس، كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطي عباس بن مرداس دون ذلك فقال العباس بن مرداس:
*أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع*
*فما كان حصن ولا حابس ... يفوقان مرداس في مجمع*
*وما كنت دون امرىء منهما ... ومن يخفض اليوم لا يرفع*
قال: فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم له مائة.

{ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء} منهم بالتوفيق للإسلام {وا غفور رحيم} فيتجاوز عنهم، ويتفضل عليهم.

روي أنّ ناساً منهم جاؤوا فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام وقالوا: يا رسول الله أنت خير الناس وأبرّ الناس وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا قيل: سبي يومئذٍ ستة آلاف نفس وأخذ من الإبل ما لا يحصى فقال: إنّ عندي ما ترون إنّ خير القول أصدقه اختاروا إما ذراريكم ونساءكم وإما أموالكم قالوا: ما كنا نعدل بالأحساب شيئاً، والحسب ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه، كنوا بذلك عن اختيار الذراري والنساء على استرجاع الأموال لأنّ تركهم في ذلّ الأسر يفضي إلى الطعن في أحسابهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنّ هؤلاء جاؤوا مسلمين وإنّا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئاً فمن كان بيده شيء وطابت نفسه أن يردّه فشأنه أي: فليلزم شأنه وأمره ومن لا تطب نفسه ليعطنا وليكن قرضاً علينا أي: بمنزلة القرض حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه فقالوا: رضينا وسلمنا فقال: إني لا أدري لعلّ فيكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا فرفعت إليه العرفاء أن قد رضوا.
{يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس} أي: ذوو نجس لأنّ معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس أو إنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم أو جعلوا كأنهم النجاسات بعينها مبالغة في وصفهم بها، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير، وعن الحسن رحمه الله تعالى: من صافح مشركاً توضأ وأهل المذاهب على خلاف هذين القولين والنجس مصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع.
{فلا يقربوا المسجد الحرام} أي: لنجاستهم وإنما نهى عن الاقتراب للمبالغة والمنع من دخول الحرم. قال العلماء: وجملة بلاد الإسلام في حق الكفار على ثلاثة أقسام:

أحدها: الحرم فلا يجوز للكافر أن يدخل المسجد بحال ذمياً كان أو مستأمناً لظاهر هذه الآية وإذا جاء رسول من دار الكفر إلى الإمام والإمام في الحرم لا يؤذن له في دخول الحرم بل يخرج إليه الإمام أو يبعث إليه من يسمع رسالته خارج الحرم وجوّز أبو حنيفة وأهل الكوفة للمعاهد دخول الحرم.
القسم الثاني: من بلاد الإسلام الحجاز فيجوز للكافر دخوله بالإذن ولا يقيم فيه أكثر من ثلاثة أيام. لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لأخرجنّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى

الصفحة 600