كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

إعطاء ثلاثة فأكثر من كل صنف لذكره في الآية بصيغة الجمع وهو المراد في سبيل الله وابن السبيل الذي هو للجنس ولا عامل في قسم المالك ويجوز حيث كان أن يكون واحداً إن حصلت به الكفاية كما يستغنى عنه فيما مرّ وتجب التسوية بين الأصناف غير العامل لا بين آحاد الصنف إلا أن يقسم الإمام وتتساوى الحاجات فتجب التسوية لأنّ عليه التعميم فعليه التسوية بخلاف المالك إذا لم ينحصروا أو لم يف بهم المال ولا يجزيه نقل الزكاة من بلد وجوبها مع وجود المستحقين فيه إلى بلد آخر أو حال الحول والمال ببادية فرقت الزكاة بأقرب البلاد إليه أمّا الإمام ولو بنائبه فله نقلها ولو امتنع المستحقون من أخذها قوتلوا وشرط أخذ الزكاة من هذه الثمانية حرّية وإسلام وأن لا يكون هاشمياً ولا مطلبياً ولا مولى لهما كما بينته السنة هذا مذهب الشافعيّ رضي الله تعالى عنه وقال الرازي وغيره: لا دلالة في الآية على قول الشافعي في أنه لا بدّ من صرفها إلى جميع الأصناف لأنه تعالى
جعل

جملة الصدقات لهؤلاء الأصناف وأمّا أن صدقة زيد بعينها يجب توزيعها على الأصناف كلها فلا كما أنّ قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فإنّ خمسه} (الأنفعال، 41)

الآية، يوجب قسم الخمس على الطوائف من غير توزيع بالاتفاق وما ذهب إليه الشافعيّ رضي الله تعالى عنه قول عكرمة وما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من جواز صرفها إلى صنف واحد هو قول عمر وحذيفة وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين وكل على هدى من ربهم.
فإن قيل: كيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين ومكايدهم؟ أجيب: بأنه تعالى ذكر ذلك ليدل على أنّ هذه الأصناف مصارف الصدقات خاصة دون غيرهم على أنهم ليسوا منهم حسماً لأطماعهم وإشعاراً باستحقاقهم الحرمان وأنهم بعداء عنها وعن مصارفها فمالهم ومالها وما سلطهم على التكلم فيها وبمن قاسمها.
{ومنهم} أي: المنافقين {الذين يؤذون النبيّ} هذا نوع آخر من جهالات المنافقين وهو أنهم كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويعيبونه وينقلون حديثه {ويقولون} إذا نهوا عن ذلك لئلا يبلغه {هو أذن} أي: يسمع كل ما يقال له ويصدقه سمي بالجارحة للمبالغة كأنه من فرط استماعه صار جملته آلة للسماع كما يسمى الجاسوس عيناً لذلك واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال ابن عباس: نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا فقال الجلاس بن سويد وهو من المنافقين: بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف له فيصدقنا فيما نقول فإنّ محمداً أذن ـ أي: أذن سامعة ـ يسمع كل ما يقال له ويقبله، وقال محمد بن إسحاق: نزلت في رجل من المنافقين يقال له: نبيل بن الحرث وكان رجلاً ثائر الشعر أحمر العينين أسفع الخدين مشوّه الخلقة وقد قال صلى الله عليه وسلم «من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث» وكان ينم حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين فقيل له: لا تفعل ذلك فقال: إنما محمد أذن فمن حدثه شيئاً صدقه فنقول: ما شئنا ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا، فنزلت. وقال الحسن: كان المنافقون يقولون: ما هذا الرجل إلا أذن من شاء صرفه حيث شاء لا عزيمة له.
ومقصود المنافقين بقولهم هو أذن ليس له ذكاء ولا بعد غور بل هو سليم القلب

الصفحة 625