كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

على التأنيث مع فتح الفاء أيضاً، وقرأ الباقون بالنون مفتوحة مع كسر الفاء، وقرأ الكسائي خطاياكم بالإمالة، وورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح {وسنزيد المحسنين} بالطاعة ثواباً جعل الله تعالى امتثال قوله: {قولوا حطة} توبة للمسيء وسبب زيادة الثواب للمحسنين.
فإن قيل: كيف عطف وسنزيد مع أنه مرفوع على نغفر مع أنه مجزوم جواباً للأمر؟ أجيب: بأنه أخرجه عن صورة الجواب إلى الوعد إيهاماً بأنّ المحسن بصدد ذلك وإن لم يفعله فكيف إذا فعله وإنه يفعل لا محالة، وسبب إخراج ما ذكر عن صورة الجواب إلى الوعد أنّ الزيادة إذا كانت من وعد الله كانت أعظم مما إذا كانت مسببة عن فعلهم.
{فبدّل الذين ظلموا} منهم {قولاً غير الذي قيل لهم} فقالوا: حبة من شعرة ودخلوا يزحفون على أستاههم مخالفة في الفعل كما بدلوا القول.
روى معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا: حبة في شعرة» وفي رواية: في شعيرة. وقوله تعالى: {فأنزلنا على الذين ظلموا} فيه وضع الظاهر موضع المضمر مبالغة في تقبيح أمرهم وإشعاراً بأنّ إنزال الرجز عليهم لظلمهم بوضع غير المأمور به موضعه أو على أنفسهم بأنهم تركوا ما يوجب نجاتها إلى ما يوجب هلاكها {رجزاً} أي: عذاباً مقدراً {من السماء} وقيل: أرسل الله عليهم طاعوناً فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً، وقيل: أربعة وعشرون ألفاً {بما كانوا يفسقون} أي: بسبب فسقهم، أي: خروجهم عن الطاعة.
{وإذ استسقى موسى} طلب السقيا {لقومه} وذلك أنهم عطشوا في التيه فسألوا موسى أن يستسقي لهم ففعل فأوحى الله إليه كما قال: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر} وكانت من آس الجنة بالمدّ أي: شجرها وهو المرسين.
وروي عن ابن عباس أنها كانت من عوسج طولها عشرة أذرع على طول موسى وكان لها شعبتان تتقدان في الظلمة نوراً واسمها عليق، وقال مقاتل: اسمها بنفة حملها آدم من الجنة فتوارثها الأنبياء حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى. واللام في الحجر للعهد على ما روي أنه كان حجراً طورياً مكعباً حمله معه كان له أربعة أوجه ينبع من كل وجه ثلاثة أعين تسيل كل عين في جدول إلى سبط وكانوا ستمائة ألف وسعة العسكر اثنا عشر ميلاً أو حجراً أهبطه آدم من الجنة ودفع إلى شعيب فأعطاه لموسى مع العصا أو الحجر الذي فرّ بثوبه لما وضعه عليه ليغتسل ومرّ به على ملأ من بني إسرائيل وهو حجر خفيف مربع كرأس الرجل رخام أو كذان وبرأه الله تعالى به عما رموه به من الأدرة وهي بضمّ الهمزة كبر الأنثيين فلما وقف أتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال: إنّ الله تعالى يقول: ارفع هذا الحجر فلي فيه قدرة ولك فيه معجزة أو للجنس.
قال البيضاويّ: وهذا أظهر في الحجة ويدل له قول وهب: لم يكن حجراً معيناً بل كان موسى يضرب أي حجر كان فينفجر عيوناً لكل سبط عين ثم تسيل كل عين في جدول إلى السبط الذي أمر أن يسقيهم وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً ولكن لما قالوا: كيف بنا لو أفضينا إلى أرض لا حجارة فيها حمل حجراً في مخلاته وكان يضربه بعصاه إذا نزل فينفجر ويضربه بها إذا ارتحل فييبس فقالوا: إن فقد موسى عصاه متنا عطشاً فأوحى الله تعالى إليه لا تقرع

الصفحة 63