كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

فاقع، وأسود حالك وأخضر ناصح {تسرّ الناظرين} إليها أي: يعجبهم حسنها وصفاء لونها، والسرور أصله لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه.

{قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} أي: أسالمة أم عاملة؟ وعلى هذا فليس تكراراً للسؤال الأوّل {إنّ البقر} أي: جنسه المنعوت كما ذكر {تشابه} أي: التبس واشتبه أمره {علينا} لكثرته فلم يهتدوا إلى المقصود.
تنبيه: لم يقل تشابهت علينا لأنّ المراد الجنس كما مرّ أو لتذكير لفظ البقر كقوله تعالى: {أعجاز نخل منقعر} (القمر، 20) {وإنا إن شاء الله لمهتدون} إلى وصفها وفي الحديث: «لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد» . واحتجّ به أصحابنا على أنّ الحوادث بإرادة الله تعالى وأنّ الأمر قد ينفك عن الإرادة وإلا لم يكن للشرط بعد الأمر معنى. والمعتزلة والكرامية على حدوث الإرادة لأنها وقعت شرطاً والشرط أمر يحدث في المستقبل، وأجيب: بأنّ تعليق الاهتداء بالمشيئة التي هي الإرادة باعتبار تعلق المشيئة بالاهتداء وهذا التعلق هو الحادث ولا يلزم من ذلك قيام الحوادث به تعالى لأن التعلق أمر اعتباري.
{قال} موسى {إنه} أي: ربي {يقول إنها بقرة لا ذلول} أي: غير مذللة بالعمل {تثير الأرض} أي: تقلبها للزراعة، والجملة صفة ذلول داخلة في النفي {ولا تسقي الحرث} أي: الأرض المهيأة للزراعة، ولا الثانية مزيدة لتأكيد الأولى والفعلان صفتا ذلول كأنه قال: لا ذلول مثيرة وساقية {مسلمة} من العيوب وإثارة العمل {لا شية} أي: لا لون {فيها} سوى لون جميع جلدها، قال مجاهد: لا بياض فيها ولا سواد {قالوا الآن جئت} أي نطقت {بالحق} أي: بالبيان التامّ الشافي الذي لا إشكال فيه فطلبوها فوجدوها عند الفتى البارّ بأمّه فاشتروها بملء مسكها أي: جلدها ذهباً كما قال له الملك، وقوله تعالى: {فذبحوها} فيه اختصار، والتقدير فحصلوا البقرة المنعوتة فذبحوها {وما كادوا} أي: ما قاربوا {يفعلون} لتطويلهم وكثرة مراجعتهم، أو لخوف الفضيحة في ظهور القاتل، أو لغلاء ثمنها ولا ينافي قوله: {وما كادوا يفعلون} قوله: {فذبحوها} لاختلاف وقتيهما إذ المعنى ما قاربوا أن يفعلوا حتى انتهت سؤالاتهم وانقطعت تعللاتهم ففعلوا كالمضطرّ الملجأ إلى الفعل.
{وإذ قتلتم نفساً} خطاب للجمع لوجود القتل فيهم {فادّارأتم} فيه إدغام التاء في الأصل في الدال أي تخاصمتم وتدافعتم {فيها} أي: في شأنها، إذ المتخاصمان يدفع بعضهم بعضاً، أو تدافعتم بأن طرح كل قتلها عن نفسه إلى صاحبه {وا مخرج} أي: مظهر {ما كنتم تكتمون} فإن القاتل كان يكتم القتل، وقوله تعالى:

{فقلنا اضربوه} أي: القتيل، عطف على ادّارأتم وما بينهما اعتراض، والضمير للنفس وتذكير الضمير على تأويل الشخص أو القتيل {ببعضها} أي: ببعض البقرة واختلفوا في ذلك البعض فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو ما لان من العظام، وقال مجاهد وسعيد بن جبير: بعجب الذنب لأنه أوّل ما يخلق وآخر ما يبلى ويركب عليه الخلق، وقال الضحاك: بلسانها، قال الحسين بن الفضل: لأنه آلة الكلام، وقال عكرمة والكلبي: بفخذها الأيمن، وقيل: بعضو منها لا بعينه ففعلوا ذلك فقام القتيل حياً بإذن الله تعالى وأوداجه تشخب دماً وقال: قتلني فلان ثم سقط ومات مكانه فحرم قاتله الميراث وقتل وفي الخبر «ما ورث

الصفحة 70