كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

{وإن هم} أي: ما هم {إلا} قوم {يظنون} ظناً لا علم لهم وقد يطلق الظنّ بإزاء العلم على كل رأي واعتقاد من غير قاطع وإن جزم به صاحبه كاعتقاد المقلد وكالزائغ عن الحق بسبب شبهة قامت عنده.

{س2ش79/ش82 فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَاذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا? بِهِ? ثَمَنًا قَلِي?? فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ * وَقَالُوا? لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِ? أَيَّامًا مَّعْدُودَةً? قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ??? أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ? خَطِي?ـئَتُهُ? فَأُو?لَـ?ائِكَ أَصْحَابُ النَّارِ? هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَءَامَنُوا? وَعَمِلُوا? الصَّالِحَاتِ أُو?لَا?ئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ? هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
{فويل} أي: واد في جهنم كما رواه الترمذيّ، قال سعيد بن المسيب: لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدّة حرّه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: هو شدّة العذاب {للذين يكتبون الكتاب} أي: المحرف من التأويلات الزائغة، وقوله تعالى: {بأيديهم} تأكيد كقولك: كتبته بيميني {ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً} من الدنيا وهم اليهود غيروا صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم في التوراة: وآية الرجم وغيرها وكتبوها على خلاف ما أنزل الله فكانت صفته صلى الله عليه وسلم في التوراة: أكحل العينين، ربعة، جعد الشعر، حسن الوجه، فكتبوها طويلاً: أزرق العينين، سبط الشعر، وغيروا آية الرجم بالجلد والتحميم أي: تسويد الوجه {فويل لهم مما كتبت أيديهم} من المحرف {وويل لهم مما يكسبون} من الرشا.
{وقالوا} أي: اليهود لما وعدهم النبيّ صلى الله عليه وسلم النار {لن تمسنا} أي: تصيبنا {النار إلا أياماً معدودة} محصورة قليلة. روي أنّ بعضهم قالوا: نعذب بعدد أيام عبادتنا العجل أربعين يوماً وبعضهم قالوا: مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوماً واحداً ثم ينقطع العذاب بعد سبعة أيام.
فإن قيل: لم وصف الأيام مع أنها جمع بالمفرد؟ أجيب: بأنها في معنى الجماعة فتكون مفرداً تقديراً ولأنّ جمع القلة ـ كما قاله الرضي ـ في حكم المفرد فيوصف بالمفرد كما هنا يوصف المفرد به كما في قوله تعالى: {نطفة أمشاج} (الإنسان، 20) وقيل: الأمشاج مفرد وعلى هذا فلا إشكال ثم كذبهم الله تعالى بقوله: {قل} لهم يا محمد {أتخذتم} حذف منه همزة الوصل استغناء بهمزة الاستفهام. وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم بإظهار الذال عند التاء، والباقون بالإدغام {عند الله عهداً} أي: ميثاقاً منه بذلك، وقوله تعالى: {فلن يخلف الله عهده} جواب شرط مقدر أي: إن اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده وفيه دليل على أن الخلف في خبر الله تعالى محال {أم تقولون على الله ما لا تعلمون} أم إما منقطعة بمعنى بل أتقولون على التقرير والتقريع، وإمّا معادلة بهمزة الاستفهام بمعنى أيّ الأمرين كائن على سبيل التقرير للعلم بوقوع أحدهما، وقوله تعالى:
{بلى} إثبات لما نفوه من مساس النار لهم فإن بلى وبل حرفا استدراك ومعناهما نفي الخبر الماضي وإثبات الخبر المستقبل أي: بل تمسكم وتخلدون فيها {من كسب سيئة} أي: قبيحة {وأحاطت به خطيئته} وقرأ نافع وحده خطيئاته بالجمع أي: استولت عليه وشملت جميع أحواله حتى صار كالمحتاط بها لا يخلو عنها شيء من جوانبه وهذا إنما يصح في شأن الكافر لأنّ غيره وإن لم يكن له سوى تصديق قلبه وإقرار لسانه لم تحط الخطيئة به ولذلك فسرها السلف بالكفر، وقيل: السيئة الكبيرة، والإحاطة أن يصرّ عليها لأنّ من أذنب ذنباً ولم يقلع عنه استجرّه إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه حتى تستولي عليه الذنوب وتأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلاً إلى المعاصي مستحسناً إياها معتقداً أن لا لذة سواها مبغضاً لمن يمنعه عنها مكذباً لمن ينصحه فيها كما قال تعالى: {ثم كان عاقبة الذين أساءوا السواى أن كذبوا بآيات الله} (الروم، 10) الآية، والفرق بين السيئة

الصفحة 73