كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

والخطيئة أنّ السيئة قد تقال فيما يقصد بالذات والخطيئة تغلب فيما يقصد بالعرض لأنها من الخطأ، والكسب استجلاب النفع وتعليقه بالسيئة على التهكم كقوله تعالى: {فبشره بعذا أليم} (لقمان، 7) (يس، 11) (الجاثية، 8) {فأولئك أصحاب النار} أي: ملازموها في الآخرة كما أنهم ملازمو أسبابها في الدنيا {هم فيها خالدون} أي: دائمون روعي فيه معنى من والآية كما ترى لا حجة فيها على خلود صاحب الكبيرة لأنها في الكافر كما مرّ.
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} جرت عادته سبحانه وتعالى على أن يشفع وعده بوعيده لترجي رحمته ويخشى عذابه.
تنبيه: عطف العمل على الإيمان يدل على خروجه عن مسماه.
{و} اذكر {إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} في التوراة وقلنا لهم: {لا تعبدون إلا الله} هذا إخبار في معنى النهي كقوله تعالى: {ولا يضارّ كاتب ولا شهيد} (البقرة، 282) وهو أبلغ من صريح النهي لما فيه من إيهام أنّ المنهي سارع إلى الانتهاء فهو مخبر عنه، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ بالياء على الغيبة، والباقون بالتاء على الخطاب. {وبالوالدين إحساناً} أي: برّاً بهما وعطفاً عليهما ونزولاً عند أمرهما فيما لا يخالف أمر الله تعالى. قال البيضاويّ: وهذا متعلق بمضمر تقديره: وتحسنون أو أحسنوا، انتهى. ويلزمه أنّ إحساناً في الآية منصوب على المصدر المؤكد لعامله المحذوف مع أن حذف عامل المؤكد ممنوع أو نادر وقوله تعالى: {وذي القربى} أي: القرابة {واليتامى والمساكين} عطف على الوالدين، ويتامى جمع يتيم وهو الطفل الذي لا أب له كنديم وندامى وهو قليل، ومسكين مفعيل من السكون كأنّ الفقر أسكنه {وقولوا للناس حسناً} من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في شأن محمد صلى الله عليه وسلم والرفق بهم، وقيل: هو اللين في القول والمعاشرة بحسن الخلق. وقرأ حمزة والكسائي بفتح الحاء والسين، والباقون بضم الحاء وسكون السين مصدر وصف به مبالغة {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} ، قال البيضاوي: يريد ـ أي: الله ـ بهما ما فرض عليهم في ملتهم {ثم توليتم} في هذا التفات عن الغيبة، قال البيضاوي: ولعل الخطاب مع الموجودين منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قبلهم على التغليب أي: أعرضتم عن الميثاق ورفضتموه {إلا قليلاً منكم} أي: وهو من أقام اليهودية على وجهها قبل النسخ ومن أسلم منهم {وأنتم} قوم {معرضون} أي: عادتكم الإعراض عن المواثيق والتولية كإعراض آبائكم.
{و} اذكروا {إذ أخذنا ميثاقكم} وقلنا {لا تسفكون دماءكم} أي: تريقونها بقتل بعضكم بعضاً {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} أي: لا يخرج بعضكم بعضاً من داره وإنما جعل غير الرجل نفسه لاتصاله به نسباً أو ديناً، وقيل: لا تفعلوا ما يرديكم ويصرفكم عن الحياة الأبدية فإنه القتل في الحقيقة ولا تقترفوا ما تمنعون به عن الجنة التي هي داركم فإنه الجلاء الحقيقيّ {ثم أقررتم} بهذا العهد أنه حق وقبلتم {وأنتم تشهدون} على أنفسكم، هذا توكيد كقولك أقر فلان شاهداً على نفسه، وقيل: أنتم أيها الموجودون تشهدون على إقرار أسلافكم فيكون إسناد الإقرار إليهم مجازاً.
{ثم أنتم} يا {هؤلاء تقتلون أنفسكم} فيه استبعاد لما ارتكبوه بعد الميثاق والإقرار والشهادة عليه أي: ثم بعد ذلك يقتل بعضكم بعضاً {وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم

الصفحة 74