كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

{من عباده} وهو محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بسكون نون ينزل وتخفيف الزاي، والباقون بفتح النون وتشديد الزاي {فباءوا} أي: رجعوا {بغضب على غضب} أي: مع غضب، واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس ومجاهد: الغضب الأوّل: بتضييعهم التوراة وتبديلهم، والثاني: بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال السديّ: الأوّل: كفرهم بعبادة العجل، والثاني: الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال قتادة: الأوّل: بكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني: بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن. {وللكافرين عذاب مهين} أي: ذو إهانة بخلاف عذاب العاصي فإنه طهرة لذنوبه.
{وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله} من القرآن وغيره فيعم سائر الكتب المنزلة {قالوا نؤمن بما أنزل علينا} أي: التوراة يكفينا ذلك {ويكفرون} الواو للحال {بما وراءه} أي: بما سواه من الكتب كقوله تعالى: {فمن ابتغى وراء ذلك} (المؤمنون، 7) أي: سواه وقال أبو عبيدة: بما بعده أي: من القرآن. وقوله تعالى: {وهو} أي: ما وراءه {الحق} حال، وقوله: {مصدّقاً لما معهم} أي: من التوراة حال ثانية مؤكدة تتضمن ردّ مقالهم فإنهم كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها ثم اعترض الله تعالى عليهم بقتل الأنبياء مع ادعاء الإيمان بالتوراة بقوله تعالى: {قل} لهم يا محمد {فلم تقتلون} أي: قتلتم {أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} بالتوراة، والتوراة لا تسوغه بل نهيتم فيها عن قتلهم، والخطاب للموجودين في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم بما فعل آباؤهم لرضاهم به وعزمهم عليه، قرأ نافع وحده: أنبياء الله، بالهمز في كل القرآن، والباقون بالبدل، وليس لورش إلا المدّ فقط لأنه متصل.

{س2ش92/ش94 وَلَقَدْ جَآءَكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن? بَعْدِهِ? وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا? مَآءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا?? قَالُوا? سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا? فِى قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ? قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ? إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ ا?خِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا? الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}
{ولقد جاءكم موسى بالبينات} أي: الآيات التسع في قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات كالعصا} (الإسراء، 101) واليد وفلق البحر {ثم اتخذتم العجل} أي: إلهاً {من بعده} أي: من بعد ذهابه إلى الميقات، وقوله تعالى: {وأنتم ظالمون} أي: باتخاذه، حال أي: اتخذتم العجل ظالمين بعبادته، أو بالإخلال بآيات الله، أو اعتراض أي: وأنتم عادتكم الظلم.
{وإذ أخذنا ميثاقكم} على العمل بما في التوراة {و} قد {رفعنا فوقكم الطور} أي: الجبل حين امتنعتم من قبولها ليسقط عليكم، وقلنا: {خذوا ما آتيناكم بقوّة} أي: بجد واجتهاد {واسمعوا} ما تؤمرون به سماع قبول {قالوا سمعنا} قولك {وعصينا} أمرك وقيل: سمعنا بالآذان وعصينا بالقلوب، قال أهل المعاني: إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم ولكن لما سمعوا بالآذان وتلقوه بالعصيان نسب ذلك إلى القول اتساعاً {وأشربوا في قلوبهم العجل} أي: خالط حبه قلوبهم كما يتداخل الشراب أعماق البدن، وفي قلوبهم بيان لمكان الإشراب كقوله تعالى: {إنما يأكلون في بطونهم ناراً} (النساء، 10) .
فائدة: قال البغويّ في «القصص» : إنّ موسى عليه الصلاة والسلام أمر أن يبرد العجل بالمبرد ثم يذر في النهر وأمر بالشرب منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل ظهرت سحالة الذهب على شاربه. {بكفرهم} أي: بسبب كفرهم وذلك أنهم كانوا مجسمة أو حلولية ولم يروا جسماً أعجب منه فتمكن من قلوبهم ما سوّل لهم السامري {قل} لهم يا محمد {بئسما} أي: شيئاً {يأمركم به إيمانكم} بالتوراة عبادة العجل، وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم، كما قال قوم شعيب: {أصلواتك تأمرك} (هود، 87) وكذلك إضافة الإيمان إليهم في قوله تعالى: {إن كنتم مؤمنين} بعبادة العجل.
{قل} لهم {إن

الصفحة 77