كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

يسبق ذكره فيه. فخامة لشأن صاحبه حيث يجعل لفرط شهرته كأنه يدلّ على نفسه ويكتفي عن اسمه الصريح بذكر شيء من صفاته {على قلبك} يا محمد وقوله تعالى: {بإذن الله} أي: بأمره حال من فاعل نزل {مصدقاً} أي: موافقاً {لما بين يديه} لما قبله من الكتب {وهدى} من الضلالة {وبشرى} بالجنة {للمؤمنين} هذه أحوال من مفعول نزل وجواب الشرط فإنه نزله والمعنى من عادى منهم جبريل فقد خلع ربقة الإنصاف أو كفر بما معه من الكتاب بمعاداته إياك لنزوله عليك بالوحي؛ لأنه نزل كتاباً مصدّقاً للكتب المتقدّمة فحذف الجواب وأقيم علته مقامه، أو من عاداه فالسبب في عداوته أنه نزل عليك، وقيل: الجواب محذوف مثل فليمت غيظاً أو فهو عدوّ لي وأنا عدوّ له كما قال تعالى:
{من كان عدوّاً وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإنّ الله عدوّ للكافرين} والمراد بمعاداة الله مخالفته عناداً أو معاداة المقرّبين من عباده وصدر الكلام بذكره تعالى تفخيماً لشأنهم كقوله تعالى: {وا ورسوله أحق أن يرضوه} (التوبة، 62) .
فإن قيل: لم أفرد الملكين بالذكر مع دخولهما في الملائكة؟ أجيب: بأنّ ذلك لفضلهما، فكأنهما من جنس آخر وهو مما ذكر أن التغاير في الوصف ينزل منزلة التغاير في الذات وبأن المحاجة كانت فيهما والواو فيها بمعنى أو يعني من كان عدوّاً لأحد هؤلاء؛ لأنّ الكافر بالواحد كافر بالكل، وقدم جبريل لشرفه، وقدم الملائكة على الرسل كما قدم الله على الجميع؛ لأنّ عداوة الرسل بسبب نزول الكتب ونزولها بتنزيل الملائكة وتنزيلهم لها بأمر الله فذكر الله ومن بعده على هذا الترتيب، قرأ أبو عمرو وحفص ميكال بغير همز ولا ياء بين الألف واللام وقرأ نافع بهمزة بعد الألف ولا ياء بعد الهمزة والباقون بهمزة بعد الألف وياء وهم على مراتبهم في المدّ. ونزل في ابن صوريا لما «قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية أي زائدة فنتبعك» .

{ولقد أنزلنا إليك} يا محمد {آيات بينات} واضحات مفصلات بالحلال والحرام والحدود والأحكام {وما يكفر بها إلا الفاسقون} أي: المتمرّدون من الكفرة والفسق إذا استعمل في نوع من المعاصي دل على أعظميته كأنه متجاوز عن حدّه.
{أو كلما عاهدوا عهداً} الهمزة للإنكار والواو للعطف على محذوف تقديره أكفروا بالآيات وكلما عاهدوا الله عهداً على الإيمان بالنبيّ أو إن خرج النبيّ أن لا يعاونوا عليه المشركين وقوله تعالى {نبذه} أي: طرحه {فريق منهم} أي: اليهود بنقضه جواب كلما وهو محل الاستفهام الانكاري وإنما قال فريق؛ لأنّ بعضهم لم ينقض وقوله تعالى: {بل} للانتقال {أكثرهم لا يؤمنون} ردّ لِما يتوهم أنّ الفريق هم الأقلون.
وقوله تعالى:
{ولما جاءهم رسول من عند الله} هو محمد صلى الله عليه وسلم {مصدّق لما معهم} من التوراة {نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله} أي: التوراة؛ لأنّ كفرهم بالرسول المصدق لها كفر بها فيما يصدّقه ونبذ لما فيها من وجوب الإيمان بالرسل المؤيدين بالآيات وقيل: كتاب الله هو القرآن نبذوه بعدما ألزمهم تلقيه بالقبول وقوله تعالى: {وراء ظهورهم} أي: لم يعملوا بما فيها من الآيات بالرسل وغيره مًثل لإعراضهم عنه بالكلية بالاعراض عما يرمي به وراء الظهر لعدم الالتفات إليه {كأنهم لا يعلمون} ما فيها من أنه نبيّ حق أو فيه شك يعني أنّ علمهم بذلك رصين ولكنهم كابروا وعاندوا. وعن سفيان

الصفحة 80