كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

الكرامة على يد فاسق ويحرم أيضاً تعليم أو تعلم الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل والحصى والشعير والشعبذة ويحرم إعطاء العوض أو أخذه عنها بالنص الصريح في حلوان الكاهن والباقي بمعناه، والكاهن من يخبر بواسطة النجم عن المغيبات في المستقبل بخلاف العرّاف فإنه الذي يخبر عن المغيبات الواقعة كعين السارق ومكان المسروق والضالة قال في «الروضة» : ولا يغتر بجهالة من يتعاطى الرمل وإن نسب إلى علم.

وأمّا الحديث الصحيح «كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك» فمعناه من علمتم موافقته له فلا بأس ونحن لا نعلم الموافقة فلا يجوز لنا ذلك. وقول البيضاويّ: وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل بمعونة الآلات كالأدوية أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم وتسميته سحراً على التجوّز لما فيه من الدقة؛ لأنه أي: السحر في الأصل أي: اللغة لما خفي سببه مردود بل هو مذموم أي: حرام كما صرّح به النوويّ في «الروضة» وغيرها، وقوله تعالى: {وما أنزل على الملكين} عطف على السحر أي: ويعلمونهم ما أنزل على الملكين وقيل: عطف على ما تتلو أي: واتبعوا ما أنزل أي: ما ألهماه وتعلماه من السحر فالانزال بمعنى الإلهام والتعليم.
قال البيضاويّ: وهما ملكان أنزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس وتمييزاً بينه وبين المعجزة. قال: وما روي أي: في كتب السير أنهما مثلا بشرين وركب فيهما الشهوة فتعرّضا لامرأة يقال لها زهرة فحملتهما على المعاصي والشرك ثم صعدت إلى السماء بما تعلمت منهما فمحكيّ عن اليهود ولعله من رموز الأوائل وحله أي: الرمز أو ما روي لا يخفى على ذوي البصائر اه.
قال شيخنا شيخ الإسلام زكريا: بأن يقال عُبر عن العقل والنفس المطمئنة بالملكين وعن النفس الأمّارة بالسوء بالزهرة وعن مفارقتها بالموت بالصعود إلى السماء وقيل: هما رجلان سميا ملكين باعتبار صلاحهما وقيل: ما أنزل نفي معطوف على ما كفر تكذيباً لليهود في هذه القصة، وقد طوّل البغوي في هذه القصة. واعتمد ما ردّه البيضاويّ، وقال شيخنا المذكور عن شيخه ابن حجر إنّ لها طرقاً تفيد العلم بصحتها فقد رواها مرفوعة الإمام أحمد وابن حبان والبيهقيّ وغيرهم وموقوفة على عليّ وابن مسعود وابن عباس وغيرهم بأسانيد صحيحة والبيضاويّ لما استبعد ما روي ولم يطلع عليه، قال ولعله إلخ..
وقوله تعالى: {ببابل} ظرف أو حال من الملكين أو الضمير في أنزل وهي بلد في سواد العراق وقوله تعالى: {هاروت وماروت} بدل أو عطف بيان للملكين ومنع صرفهما للعلمية والعجمة ومن جعل ما فيما أنزل نافية أبدل هاروت وماروت من الشياطين بدل البعض وما بينهما اعتراض {وما يعلمان} أي: الملكان {من أحد} أي: أحداً ومن صلة {حتى} ينصحاه و {يقولا} له {إنما نحن فتنة} أي: ابتلاء من الله تعالى للناس لنمتحنهم بتعليمه وأصل الفتنة الاختبار والامتحان من قولهم: فتنت الذهب والفضة إذا أذبتهما بالنار لتميز الجيد من الرديء، وإنما وحد الفتنة لأنها مصدر والمصادر لا تثنى ولا تجمع {فلا تكفر} بتعليمه أي: فلا تتعلمه معتقداً حله فتكفر على ما تقدّم، فإن أبى إلا التعليم علماه قيل: إنهما يقولان إنما نحن فتنة فلا تكفر سبع مرّات، قال عطاء والسديّ فإن أبى إلا التعليم؟ قالا له: ائت هذا الرماد فبل عليه فيخرج منه نور ساطع في السماء فتلك المعرفة وينزل شيء أسود شبه الدخان حتى يدخل مسامعه

الصفحة 82