كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

كلام الله كله خيراً {أو مثلها} في التكليف والثواب والمنفعة وتكون الحكمة في تبديلها بمثلها الاختبار {ألم تعلم أنّ الله على كلّ شيء قدير} فيقدر على النسخ والإتيان بمثل المنسوخ وبما هو خير والآية دلت على جواز النسخ وتأخير الإنزال؛ إذ الأصل اختصاص أن وما يتضمنها بالأمور المحتملة وذلك؛ لأنّ الأحكام شرعت والآيات نزلت لمصالح العباد وتكميل نفوسهم فضلاً من الله ورحمة وذلك يختلف باختلاف الأعصار والأشخاص كأسباب المعاش، فإن النافع في عصر قد يضرّ في غيره.
واحتج بها من منع النسخ بلا بدل أو ببدل أثقل، ومن منع نسخ الكتاب بالسنة فإنّ الناسخ هو المأتي به بدلاً والسنة ليست كذلك، قال البيضاويّ: والكل ضعيف إذ قد يكون عدم الحكم والأثقل أصلح والنسخ قد يعرف بغيره والسنة ما أتى به الله واستدل بهذه الآية المعتزلة على حدوث القرآن فإنّ التغير والتفاوت من لوازم الحدوث وأجاب أهل السنة بأنهما من عوارض الأمور المتعلق بها المعنى القائم بالذات القديم لا من عوارض هذا المعنى.
وقوله تعالى: {ألم تعلم} هنا وفيما مرّ خطاب لمنكري النسخ فالهمزة للإنكار وقيل: خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد أمّته فالهمزة للتقرير {أنّ الله له ملك السموات والأرض} يفعل فيهما ما يشاء ويحكم ما يريد فهو يملك أموركم ويدبرها ويجريها على حسب ما يصلحكم وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ ومنسوخ وهذا كالدليل على قوله: {إنّ الله على كلّ شيء قدير} أو على جواز النسخ، ولذلك ترك العاطف {وما لكم من دون الله} أي: غيره {من وليّ} أي: وليّ يحفظكم ومن صلة {ولا نصير} يمنع عنكم عذابه. وفرق بين الوليّ والنصير بأنّ الوليّ قد يضعف عن النصرة والنصير قد يكون أجنبياً عن المنصور فبينهما عموم وخصوص من وجه.

ونزل لما سأل أهل مكة النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يوسعها لهم وأن يجعل الصفا ذهباً.
{أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى} أي: سأله قومه {من قبل} أي: من قولهم له {أرنا الله جهرة} (النساء، 153) وقيل قالوا له لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلاً أو ائتنا بكتاب نقرؤه تنزله من السماء علينا وفجر لنا أنهاراً حتى نتبعك، وقال عبد الله بن أمية: لن نؤمن لك حتى تأتي بكتاب فيه من الله ربّ العالمين إلى ابن أمية، أعلم أني أرسلت محمداً إلى الناس. وأم إمّا معادلة للهمزة في ألم تعلم أي ألم تعلموا أنه مالك الأمور قادر على الأشياء كلها يأمر وينهى كما أراد وتقترحون بالسؤال كما اقترحت اليهود على موسى عليه الصلاة والسلام، وإمّا منقطعة والمراد أن يوصيهم بالثقة وترك الاقتراح عليه {ومن يتبدّل الكفر بالإيمان} أي: يأخذه بدله بترك النظر في الآيات البينات واقتراح غيرها {فقد ضلّ سواء السبيل} أي: أخطأ الطريق الحق والسواء في الأصل الوسط. وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار قد عند الضاد حيث جاء، وأدغمها الباقون ونزل في نفر من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: لو كنتم على الحق ما هزمتم فارجعا إلى ديننا فنحن أهدى سبيلاً منكم فقال لهم عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد قال: فإني قد عاهدت الله أن لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ما عشت، فقالت اليهود: أمّا هذا فقد صبا، وقال حذيفة: وأمّا أنا فقد رضيت بالله رباً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وبالاسلام ديناً وبالقرآن

الصفحة 85