كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

على النبيّ صلى الله عليه وسلم أتاهم أحبار اليهود فتناظروا حتى ارتفعت أصواتهم، فقالت لهم اليهود: ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بعيسى والإنجيل وقالت النصارى لليهود: ما أنتم على شيء من الدين وكفروا بموسى والتوراة أنزل الله تعالى.
{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء} أي: يعتدّ به وكفروا بعيسى والإنجيل {وقالت النصارى ليست اليهود على شيء} أي: يعتدّ به وكفروا بموسى والتوراة {وهم} أي: الفريقان {يتلون الكتاب} أي: المنزّل عليهم، وفي كتاب اليهود تصديق عيسى، وفي كتاب النصارى تصديق موسى، والجملة حال وأل في الكتاب للجنس أي: قالوا ذلك وهم من أهل العلم والكتاب {كذلك} أي: كما قال هؤلاء {قال الذين لا يعلمون} كعبدة الأصنام، والمعطلة وهم الذين لا يثبتون الصانع وقوله تعالى: {مثل قولهم} بيان لمعنى ذلك أي: قال كلّ ذي دين ليسوا على شيء وبخهم الله تعالى على المكابرة والتشبه بالجهال.
فإن قيل: لم وبخهم وقد صدقوا فإن كلا الدينين بعد النسخ ليس بشيء أجيب: بأنهم لم يقصدوا ذلك وإنما قصد به كلّ فريق إبطال دين الآخر من أصله والكفر بنبيه وكتابه كما مرّ، مع أن ما لم ينسخ حق واجب القبول والعمل به.

تنبيه: إذا وقف حمزة وهشام على شيء فلهما أربعة وجوه: السكون، والروم، والادغام، والروم معه وسكن حمزة قبل الهمزة بخلاف عن خلاد في الوصل وأدغم أبو عمرو الكاف في القاف بخلاف عنه {فا يحكم بينهم} أي: بين الفرق الثلاثة وهم: اليهود والنصارى والذين لا يعلمون {يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} من أمر الدين فيقسم لكل فريق منهم من العقاب الذي استحقه، وعن الحسن حكم الله بينهم أن يكذبهم ويدخلهم النار. وقرأ أبو عمرو يحكم بسكون الميم عند الباء والاخفاء بخلاف عنه.
{ومن أظلم} أي: لا أحد أظلم {ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه} بالصلاة والتسبيح {وسعى في خرابها} بالهدم أو التعطيل هذا عام لكل من خرب مسجداً أو سعى في تعطيله وإن نزل في أهل الروم الذين خربوا بيت المقدس وقذفوا فيه الجيف وذبحوا فيه الخنازير فكان خراباً إلى أن بناه المسلمون في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أو في المشركين لما صدّوا النبيّ صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عن البيت.

فإن قيل: قد قال مساجد الله وإنما وقع المنع والتخريب على مسجد واحد وهو بيت المقدس أو المسجد الحرام أجيب: بأنه لا يمنع أن يجيء الحكم عاماً وإن كان السبب خاصاً كما تقول لمن آذى صالحاً ومن أظلم ممن آذى الصالحين وكما قال الله تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} (الهمزة، 1) والمنزول فيه الأخنس بن شريق {أولئك} أي: المانعون {ما كان لهم أن يدخلوها} أي: مساجد الله {إلا خائفين} أي: على حال التهيب وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلاً أن يستولوا عليها أو يخربوها أو يمنع النبيّ صلى الله عليه وسلم عنها وقال قتادة: لا يوجد نصراني في بيت المقدس إلا انهمك ضرباً وأبلغ إليه في العقوبة. وروي أنه لا يدخل بيت المقدس أحد من النصارى إلا متنكراً مسارقة وقيل: «نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا لا يحجنّ بعد هذا العام مشرك ولا يطوفنّ بالبيت عريان» وقيل: إن هذا خبر بمعنى الأمر أي أخيفوهم بالجهاد فلا يدخلها أحد آمناً.

واختلف في جواز دخول الكافر المسجد، فجوّزه أبو حنيفة ومنعه مالك، وفرق

الصفحة 87