كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

مسعود وقوله تعالى: {إلهاً واحداً} بدل من إله آبائك كقوله تعالى: {بالناصية ناصية كاذبة} (العلق، 19) وقوله تعالى: {ونحن له مسلمون} حال من فاعل نعبد أو من مفعوله أو منهما وأم منقطعة ومعنى الهمزة فيه للإنكار أي: لم يحضروه وقت موته فكيف ينسبون إليه ما لا يليق به أو متصلة بمحذوف تقديره أكنتم غائبين أم كنتم شهداء. وقيل: الخطاب للمؤمنين بمعنى ما شهدتم ذلك وإنما حصل لكم العلم به من طريق الوحي.
وقوله تعالى: {تلك} مبتدأ والإشارة إلى الأمة المذكورة التي هي إبراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون، وأنت لتأنيث خبره وهو {أمّة قد خلت} أي: سلفت وقوله تعالى: {لها ما كسبت} أي: من العمل جزاؤه استئناف {ولكم} الخطاب لليهود {ما كسبتم} والمعنى أنّ أحداً لا ينفعه كسب غيره متقدّماً كان أو متأخراً فكما أنّ أولئك لا ينفعهم إلا ما اكتسبوا فكذلك أنتم لا ينفعكم إلا ما كسبتم وذلك أنهم افتخروا بأوائلهم، ونحوه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بني هاشم لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم» {ولا تسئلون عما كانوا يعملون} كما لا يسئلون عن عملكم والجملة تأكيد لما قبلها.
{وقالوا} أي: أهل الكتاب {كونوا هوداً أو نصارى} أي: قالت اليهود: كونوا هوداً وقالت النصارى: كونوا نصارى فأو للتفصيل. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: نزلت في رؤوس يهود المدينة وفي نصارى نجران وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين، فقالت اليهود: نبينا موسى أفضل الأنبياء وكتابنا التوراة أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان، وكفرت بعيسى والإنجيل وبمحمد والقرآن. وقالت النصارى: نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان، وكفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وقال كل من الفريقين للمؤمنين: كونوا على ديننا فلا دين إلا ذاك، وقوله تعالى: {تهتدوا} جواب الأمر وهو كونوا. قال الله تعالى: {قل} لهم يا محمد {بل} نتبع {ملة إبراهيم} وقال الكسائي: وهو نصب على الإغراء كأنه يقول: اتبعوا ملة إبراهيم، وقيل معناه بل تكون على ملة إبراهيم فحذف على فصار منصوباً وقوله تعالى: {حنيفاً} حال من المضاف إليه كقولك: رأيت وجه هند قائمة لكن هذا جزء حقيقة وملة كالجزء والحنيف المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق وقوله تعالى: {وما كان من المشركين} تعريض لأهل الكتاب وغيرهم؛ لأنّ كلاً منهم يدّعي اتباع إبراهيم وهو على الشرك.
{قولوا آمنا با} خطاب للمؤمنين وقول «الكشاف» : ويجوز أن يكون خطاباً للكافرين أي: قولوا لتكونوا على الحق وإلا فأنتم على الباطل وكذلك قوله تعالى: {قل بل ملة إبراهيم} يجوز أن يكون على تأويل اتبعوا ملة إبراهيم أو كونوا أهل ملته يرده قوله تعالى: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} (البقرة، 137) {وما أنزل إلينا} أي: من القرآن وإنما قدّم ذكره؛ لأنه أوّل الكتب بالنسبة إلينا أو لأنه سبب للإيمان بغيره {وما أنزل إلى إبراهيم} من الصحف العشرة {وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط} جمع سبط وهو الحاقد وكان الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمراد حفدة يعقوب أو أبناؤه وذراريهم فإنهم حفدة إبراهيم وإسحق.n
فإن قيل: الصحف إنما أنزلت على إبراهيم أجيب: بأنهم لما كانوا متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها كانت أيضاً منزلة

الصفحة 96