كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 1)

من الله صبغة} أي: لا صبغة أحسن من صبغته أي: لا دين أحسن من دينه وصبغة تمييز وقوله تعالى: {ونحن له عابدون} عطف على آمنا بالله قال الزمخشري: وهذا العطف يردّ قول من زعم أنّ صبغة الله بدل من ملة إبراهيم أو نصب على الإغراء بمعنى عليكم صبغة الله لما فيه من فك النظم وإخراج الكلام عن التئامه واتساقه وانتصابها على أنها مصدر مؤكد هو الذي ذكره سيبويه والقول: ما قالت حذام اه.

نعم إن قدر قولوا في {ونحن له عابدون} معطوفاً على الزموا بتقدير الإغراء أو اتبعوا ملة إبراهيم بتقدير البدل لم يلزم ما قاله. ولما قالت اليهود للمسلمين: نحن أهل الكتاب الأول، وقبلتنا أقدم ولم تكن الأنبياء من العرب؛ لأنهم عبدة الأوثان ولو كان محمد نبياً لكان منا؛ لأنا أهل الكتاب.
نزل {قل} لهم {أتحاجوننا} أي: تجادلوننا أو تخاصموننا {في الله} أي: في شأنه أن اصطفى النبيّ صلى الله عليه وسلم من العرب دونكم ويقولون: لو أنزل الله على أحد لأنزل علينا وترون أنكم أحق بالنبوّة منا {وهو ربنا وربكم} نشترك جميعاً في أننا عباده، وهو يصيب برحمته وكرامته من يشأ من عباده هم فوضى في ذلك لا يختص به عجمي دون عربي إذا كان أهلاً للكرامة {ولنا أعمالنا} نجازي بها {ولكم أعمالكم} تجازون بها أي: كما أنّ لكم أعمالاً يعتبرها الله في إعطاء الكرامة ومنعها فنحن كذلك، فالعمل هو أساس الأمر وبه العبرة {ونحن له مخلصون} في الدين والعمل دونكم فنحن أولى بالاصطفاء فلا تستبعدوا أن يؤهل أهل إخلاصه لكرامته بالنبوّة والهمزة للإنكار، والجمل الثلاث أحوال، وقرأ أبو عمرو بإدغام النون في اللام بخلاف عنه وله فيه الروم والإشمام.

وقوله تعالى: {أم يقولون} قرأه ابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي بالتاء، والباقون بالياء على الغيبة، فعلى القراءة الثانية أم منقطعة والهمزة للإنكار، وعلى القراءة الأولى يحتمل أن تكون معادلة للهمزة في أتحاجوننا بمعنى أيّ الأمرين تأتون المحاجّة وادعاء اليهودية والنصرانية على الأنبياء في قولكم: {إنّ إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل} لهم يا محمد {أأنتم أعلم أم الله} الله أعلم، وقد نفى الله تعالى الأمرين عن إبراهيم بقوله تعالى: {ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلمًا} (آل عمران، 67) واحتج تعالى على ذلك بقوله تعالى: {وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} (آل عمران، 65) والمذكورون معه تبع له، فهم أتباعه في الدين وفاقاً.
{ومن} أي: لا أحد {أظلم ممن كتم} أي: أخفى عن الناس {شهادة عنده} كائنة {من الله} أي: شهادة الله تعالى لإبراهيم بالحنيفية والبراءة عن اليهودية والنصرانية وهم أهل الكتاب؛ لأنهم كتموا هذه الشهادة وكتموا شهادة الله تعالى لمحمد بالنبوّة في كتبهم وغيرها، ومن للابتداء كما في قوله تعالى: {براءة من الله ورسوله} (التوبة، 1) أي: شهادة كائنة من الله، فمن الله صفة لشهادة وقوله تعالى: {وما الله بغافل عما تعملون} تهديد لهم.
وقوله تعالى: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون} تكرير للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطبائع من الإفتخار بالآباء والإتكال عليهم وقيل: الخطاب فيما سبق لهم، وفي هذه الآية لنا تحذيراً عن الاقتداء بهم وقيل: المراد بالأمة في الأوّل الأنبياء، وفي الثاني أسلاف اليهود والنصارى.

{سيقول السفهاء} أي: الجهال الذين خفت

الصفحة 98