كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (اسم الجزء: 1)

عَنْ الدَّمِ فَلَوْ جَازَ عَنْهُ الْفِدْيَةُ لَكَانَ بَدَلَ الْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَلْزَمُهُ اعْتِبَارًا بِدُيُونِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ بِالْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةَ وَأَدَاءَهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَاتَ الشَّرْطُ فَيَسْقُطُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ حَقِّ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ وُصُولُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْغَرِيمُ يَأْخُذُهُ وَيَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ
وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ فِي حَيَاتِهِ صَحَّ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَلِيُّ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهَا أَهَمَّ وَتُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَلَا يُصَلِّي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَصُومُ عَنْهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْهَا فَقَالَتْ نَعَمْ قَالَ صَوْمِي عَنْ أُمِّك» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَمْ تَذْكُرْ الْوَصِيَّةَ وَلَا سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا أَوْصَتْ أَمْ لَا وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَا يَصُومُ عَنْهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَضَيَا مَا قَدَّرَا بِلَا شَرْطِ وَلَاءٍ) أَيْ قَضَى الْمُسَافِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ إلَخْ) ثُمَّ إذَا أَوْصَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ وَعَلَى هَذَا دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَالْكَفَّارَاتُ الْمَالِيَّةُ وَالْحَجُّ وَفِدْيَةُ الصِّيَامَاتِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ وَالْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ انْتَهَى فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّهَا دَيْنٌ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْعُشْرَ بَعْدَ وَقْتِ وُجُوبِهِ لَا يَجِبُ عَلَى وَارِثِهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ ثُمَّ إذَا أَوْصَى فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ إخْرَاجُهُمَا إذَا كَانَا يُخْرَجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ دَيْنُهُمَا عَلَى الثُّلُثِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ فَإِنْ أَخْرَجَ كَانَ مُتَطَوِّعًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيُحْكَمُ بِجَوَازِ إجْزَائِهِ وَلِذَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي التَّبَرُّعِ الْوَارِثُ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا إذَا أَوْصَى بِإِطْعَامٍ عَنْ الصَّلَوَاتِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ اسْتِحْسَانًا) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثَابِتَةٌ وَمِثْلُ مِثْلِ الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِفْطَارُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا لَا يَجِبُ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ ثُبُوتَ الْمُمَاثَلَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ السُّقُوطُ وَإِلَّا كَانَ بِرًّا مُبْتَدَأً يَصْلُح مَاحِيًا لِلسَّيِّئَاتِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ كَمَا قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ بِالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ إيصَائِهِ عَنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْإِجْزَاءِ انْتَهَى فَتْحٌ
فَرْعٌ رَجُلٌ مَاتَ وَقَدْ فَاتَهُ صَلَاةُ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا اسْتَقْرَضَ وَارِثُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَدَفَعَهُ إلَى مِسْكِينٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ الْمِسْكِينُ عَلَى الْوَارِثِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى يُتِمَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ انْتَهَى بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ) هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِكُلِّ صَلَاةِ يَوْمٍ مِسْكِينًا لِأَنَّهَا كَصِيَامِ يَوْمٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةِ فَرْضٍ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ كَصَوْمِ يَوْمٍ انْتَهَى فَتْحٌ وَفِي الْحَاوِي قَالَ عِصَامٌ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ وَظِيفَةُ الْيَوْمِ مِثْلُ صَلَاةِ الْيَوْمِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْن سَلَمَةَ يَقُولُ لَمَّا رَجَعْت مِنْ الْعِرَاقِ لَقِيت مُحَمَّدَ بْن مُقَاتِلٍ بِالرَّيِّ فَعَرَضَ عَلَيَّ أَجْوِبَةَ مَسَائِلَ كَتَبَ إلَيْهِ بِهَا أَهْلُ بَلْخٍ وَفِيهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَدْ أَجَابَ بِأَنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَنَاظَرْته وَقُلْت هَذَا خِلَافُ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَلَّقُ أَوَّلُهُ بِآخِرِهِ وَلَا كَذَلِكَ صَلَاةُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَمَحَا جَوَابَهُ وَكَتَبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ فَلَمَّا قَدِمْت بَلْخًا قُلْت لَهُمْ لِي عَلَيْكُمْ مِنَّةٌ رَدَدْت ابْنَ مُقَاتِلٍ إلَى قَوْلِي وَعَلَامَةُ ذَلِكَ مَحْوُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَكَتَبَ جَوَابِي عَلَى الْحَاشِيَةِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَبِاحْتِجَاجِهِ أَقُولُ انْتَهَى غَايَةٌ
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصُومُ عَنْهُ) هَذَا فِي الْقَدِيمِ وَلَيْسَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ مَذْهَبًا فَإِنَّهُ غَسَلَ كُتُبَهُ الْقَدِيمَةَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا هَكَذَا نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِهِ انْتَهَى غَايَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ مِثْلَ قَوْلِنَا انْتَهَى دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ إلَخْ) وَيُرْوَى صَوْمُ شَهْرٍ وَيُرْوَى صَوْمُ شَهْرَيْنِ يَرْوِيهِمَا بُرَيْدَةَ وَهُمَا فِي مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِهَا إنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَيُرْوَى «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ» وَيُرْوَى عَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُرْوَى أَنَّهَا قَالَتْ إنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا السَّفَاقِسِيُّ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ يَدُلُّ عَلَى وَهْمِ الرُّوَاةِ وَبِدُونِ هَذَا يَعْتَلُّ الْحَدِيثُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً وَقَدْ خَالَفَهُ بِفَتْوَاهُ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ مَا رَوَاهُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَذْكُرْ الْوَصِيَّةُ إلَخْ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِيصَاءِ انْتَهَى قَوْلُهُ أَنَّهَا أَوْصَتْ أَمْ لَا وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ إنَّ دَيْنَ اللَّهِ أَحَقُّ انْتَهَى أَحَقُّ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَمَّا الصَّلَاةُ فَبِالْإِجْمَاعِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قُلْت اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَضَيَا مَا قَدَرَا بِلَا شَرْطِ وَلَاءٍ) أَيْ مُتَابَعَةً وَهُوَ التَّرْتِيبُ انْتَهَى ع قَالَ فِي الْغَايَةِ وَحُكِيَ وُجُوبَ التَّتَابُعِ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعُرْوَةَ انْتَهَى

الصفحة 335