كتاب التيسير بشرح الجامع الصغير (اسم الجزء: 1)

فِي الْجنَّة وَغير ذَلِك مِمَّا فضلوا بِهِ (حم ت هـ ك عَن مُعَاوِيَة بن حيدة
انكم ستبتلون) أَي يُصِيبكُم الامتحان والافتتان (فِي أهل بَيْتِي) بالتسلط عَلَيْهِم بالسب والبغض وَالْحَبْس وَالْقَتْل وَغَيرهَا من أَنْوَاع الْأَذَى (من بعدِي) هَذَا من معجزاته فَإِنَّهُ إِخْبَار عَن غيب وَقع (طب عَن خَالِد بن عرفطة) بن أَبْرَهَة اللَّيْثِيّ وَرِجَاله ثِقَات
(انكم) أَيهَا الْأَنْصَار (سَتَلْقَوْنَ) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ سَتَرَوْنَ (بعدِي) أَي بعد موتِي من الْأُمَرَاء (أَثَرَة) بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْمُثَلَّثَة أَو سكونها وبفتحات استيثاراً واختصاصاً بحظوظ دنيوية يفضلون عَلَيْكُم من لَيْسَ لَهُ فضل ويؤثرون أهواءهم على الْحق ويصرفون الْفَيْء لغير الْمُسْتَحق قَالُوا فَمَا تَأْمُرنَا يَا رَسُول الله قَالَ (فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي غَدا) أَي يَوْم الْقِيَامَة (على الْحَوْض) أَي عِنْده فتنصفون مِمَّن ظلمكم وتجازون على صبركم وَذَا لَا يُعَارض الْأَمر بِالنَّهْي عَن الْمُنكر لِأَن مَا هُنَا فِيمَا إِذا ترَتّب عَلَيْهِ سفك دم أَو إثارة فتْنَة (حم ق ت ن عَن أسيد) بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمُهْملَة (ابْن حضير) بِضَم الْمُهْملَة وَفتح الْمُعْجَمَة الْأنْصَارِيّ (حم ق عَن أنس) بن مَالك
(إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم) يَوْم الْقِيَامَة (كَمَا ترَوْنَ هَذَا الْقَمَر) أَي رُؤْيَة مُحَققَة لَا تشكون فِيهَا فَهُوَ تَشْبِيه لرُؤْيَته بِرُؤْيَة الْقَمَر فِي الوضوح لَا للمرئي بالمرئي كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِك شيخ الطَّرِيقَيْنِ السهروردي وتبعوه حَيْثُ قَالَ هَذَا تَشْبِيه للنَّظَر بِالنّظرِ لَا للمنظور بالمنظور (لَا تضَامون) بِضَم الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة وَتَخْفِيف الْمِيم أَي لَا ينالكم ضيم أَي ظلم فِي رُؤْيَته فيراه بَعْضكُم دون بعض وبالفتح والشد من الضَّم أَي لَا تتزاحمون حَال النّظر كَمَا يفعل فِي رُؤْيَة شَيْء خَفِي (فِي رُؤْيَته) تَعَالَى (فَإِن اسْتَطَعْتُم أَن لَا تغلبُوا) بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول أَي أَن لَا تتركوا الاستعداد بِقطع أَسبَاب الْغَفْلَة المنافية للاستطاعة (على) بِمَعْنى عَن (صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة قبل غُرُوبهَا) يَعْنِي الْفجْر وَالْعصر (فافعلوا) عدم المغلوبية الَّتِي لازمها فعل الصَّلَاة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ وذكرهما عقب الرُّؤْيَة إِشَارَة إِلَى أَن رجاءها بالمحافظة عَلَيْهِمَا وخصاً لِاجْتِمَاع الْمَلَائِكَة وَرفع الْأَعْمَال فيهمَا (تَنْبِيه) أَخذ من قَوْله إِنَّكُم أَن الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة لَا يرونه وَقد صرح بذلك ابْن عبد السَّلَام فِي الْمَلَائِكَة فَقَالَ الْمَلَائِكَة فِي الْجنَّة لَا يرونه تَعَالَى لقَوْله لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَقد اسْتثْنى مِنْهُ مؤمنوا الْبشر فَبَقيَ على عُمُومه فِي الْمَلَائِكَة قَالَ فِي آكام المرجان وَمُقْتَضَاهُ أَن الْجِنّ كَذَلِك لأنّ الْآيَة بَاقِيَة على الْعُمُوم فيهم أَيْضا (حم ق 4 عَن جرير) بن عبد الله
(انكم ستحرصون) بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا (على الْإِمَارَة) الْخلَافَة الْعُظْمَى ونيابتها (وَأَنَّهَا سَتَكُون ندامة) لمن لم يعْمل فِيهَا بِمَا أَمر بِهِ (وحسرة يَوْم الْقِيَامَة) وَهَذَا أصل فِي تجنب الولايات (فنعمت) الْإِمَارَة (الْمُرضعَة) أَي فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهَا تدل على الْمَنَافِع وَاللَّذَّات العاجلة (وبئست) الْإِمَارَة (الفاطمة) عِنْد الِانْفِصَال عَنْهَا بِمَوْت أَو غَيره فَإِنَّهَا تقطع اللَّذَّة وتبقي الْحَسْرَة والتبعة فالمخصوص بالمدح والذم مَحْذُوف (خَ ن عَن أبي هُرَيْرَة) قلت يَا رَسُول الله أَلا تَسْتَعْمِلنِي فَذكره
(إِنَّكُم قادمون) بِالْقَافِ وسها من زعم أَنه بمثناة فوقية وتعسف فِي تَقْرِيره (على إخْوَانكُمْ) فِي الدّين (فأصلحوا رحالكُمْ) أَي ركابكم (وَأَصْلحُوا لباسكم) أَي ملبوسكم بتنظيفه وتحسينه (حَتَّى تَكُونُوا كأنكم شامة فِي النَّاس) يَعْنِي كونُوا فِي أحسن زِيّ وهيئة حَتَّى تظهروا للنَّاس وينظروا إِلَيْكُم كَمَا تظهر الشامة وَينظر إِلَيْهَا دون بَقِيَّة الْبدن (فَإِن الله لَا يحب الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّش) وَفِيه ندب تَحْسِين الْهَيْئَة وترجيل الشّعْر وَإِصْلَاح اللبَاس والمحافظة على النَّظَافَة

الصفحة 356