كتاب الزاهر في معاني كلمات الناس (اسم الجزء: 1)

يغضوا أبصارهم، واحتجوا بقوله عز وجل: {وَعَدَ الله الذينَ آمنوا وعملوا (110} الصالحاتِ منهم مَغْفِرةً وأَجْراً عظيماً) (10) ، قالوا: فمن ليست في هذا الموضع مُبعضة إنما المعنى: وعدهم الله كلهم مغفرة وأجراً عظيماً، فدخلت (من) للتوكيد. وكذلك قوله: {ولتكنْ منكم أمةٌ يدعونَ إلى الخير} (11) ، فلم يؤمر بهذا بعضهم دون بعض، إنما المعنى: ولتكونوا كلكم أمة يدعون إلى الخير. ومن ذلك قول الشاعر (12) :
(أخو رغائبَ يُعطيها ويسألُها ... يأبى الظلامَة منه النَوْفَلُ الزُّفَرُ)
النوفل: الكثير الإعطاء للنوافل. والزفر: الذي يحمل الأثقال والأمور التي يعجز عنها غيره. و (من) مؤكدة للكلام. وقال أصحاب المعاني: المعنى (13) يأبى الظلامة، لأنه نوفل زفر. قال ذو الرمة (14) :
(إذا ما امرؤ حاولنَ أنْ يقتتلْنَهُ ... بلا إحْنَةٍ بينَ النفوسِ ولا ذَحْلِ)
(تبسَّمنَ عن نَوْرِ الأقاحيِّ في الثرى ... وفَتَّرْنَ من أبصارِ مضروجةٍ نُجْلِ)
أراد: وفترن أبصاراً مضروجةً، فأكَّد الكلام بمن.
قال أبو بكر: قال الفراء (15) : معنى قوله عز وجل: {يغفر لكم من ذنوبكم} (16) : يغفر لكم من أذنابكم وعن أذنابكم (17) ، أي: يغفر لكم من أجل وقوع الذنوب منكم؛ كما تقول / في الكلام: قد اشتكيت من دواء شربته؛ (8 / ب / 111) فالمعنى: قد اشتكيت من أجل الدواء الذي شربته.
__________
(10) الفتح 29.
(11) آل عمران 104.
(12) أعشى باهلة، الصبح المنير 267. والزفر: السيد. وينظر الأضداد: 252.
(13) ساقطة من ك.
(14) ديوانه 144 - 145. وينظر الأضداد 253. والاحنة العداوة. والذحل الطلب بالدم، وهو هنا الأمر الذي أساءت به والنور الزهر. ومضروجة: واسعة شق العين. ونجل: واسعات العيون. وذو الرمة هو غيلان ابن عقبة صاحب مية، ت 117 هـ. (الشعر والشعراء 524، اللآلي 81، الخزانة 1 / 50) .
(15) معاني القرآن 3 / 187.
(16) نوح 4.
(17) كذا في المعاني، ولا يعرف جمع ذنب بمعنى اثم على أذناب.

الصفحة 17