كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

لها مدخنة من مثله، ومن حولها ممران في الجدار، يجري فيها الماء شلالاً صغيراً في الصيف ليبرد الجو في حين يدفّئه الموقد في الشتاء.
وفي صحن الدار أشجار لا بد من مثلها في دور دمشق: الليمون والنارِنْج، ودَوَالي العنب تمتدّ جذوعها حتى تبلغ «المَشْرَقة»، وهي سطح الدور الثاني (وأكثر المنازل من طابقين أو دورَين، أرضيّ للصيف وعلويّ للشتاء). ويُقام لدوالي العنب «عَريشة»، وهي سطح من جذوع الخشب تتمدّد عروقُها عليها، تثمر العنبَ «البلدي» (وثمرته بيضاء مستطيلة قاسية) أو «الحلواني» (وهو مستدير أشقر قاس). وكان في دارٍ لعمّي في الصالحية دَوالٍ تغطي سطوح الدار، تُنتج في السنة (حقيقة لا تقديراً) من سبعمئةٍ إلى ألف كيل (¬1).
صدّقوني فلست أبالغ، لقد أقاموا مرّة في داريّا (من قرى الغوطة الغربية) معرضاً للعنب الشامي عُرض فيه مئة وأربعة أنواع من العنب.
وجدران الدار مغطّاة بأجمل أنواع النباتات المعروشات: الياسمين البلدي والمَلّيسة والياسمين العراتلي، وأنواع أخرى لا ينفعكم سرد أسمائها إن لم تذهبوا إلى الشام وتروها في دورها، وتروا في كل دار عشرات الأُصُص الصغار فيها من كل الأوراد والأزهار.
ولكن يا للأسف ويا للحسرة! لقد ذهبت تلك الدور وما
¬__________
(¬1) كيلوغرام. وكلمة «كيلو» يونانية معناها «ألف».

الصفحة 33