كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

أو قطعة لشاتوبريان فتظنه أشعر من شاتوبريان ومن موسّه، ولقد سمعت منه قصة «جوسلان» للامارتين ثم قرأتُها، فوجدت تلخيص معروف أحلى من شعر لامارتين!
ولمّا شرع يؤلّف «سيد قريش» لم يكن قد جدّد دراسته للتاريخ فكان مستشاره الحاج فلان (طمست اسمه بعد أن كتبته) وهو رجل قرأ في زمانه التاريخ ونسيه ثم نسي أنه نسيه، فكان معروف كلما سأله عن حادثة من الحوادث يكدّ ذهنه وينبش ذاكرته، ويتلمّس من بين المعلومات القديمة التي غطّى عليها غبار الزمان حقائق لم تصل إلى علم أحد من المؤرّخين فيقول له ما مثاله: طلع العرب يوم «ذي قار» من الرياض وهجموا على الظهران، وكان يقودهم أبو الأسود الدؤلي الذي وضع علم الفقه، وكان بطل المعركة الوليد بن هارون الرشيد الذي قال فيه المتنبي:
قادَ الجيوشَ لسبعَ عشرةَ حِجّةً ... كادَ المعلّم أن يكونَ رسولا

ومعروف يدوّن هذه الحقائق ويجعلها دعائم لبنائه القصصي، ثم يصب فيها عبقريته الفنية ويجمّلها بفنه العبقري، حتى إذا أتمّ كراريس من الكتاب وطبعها جاء مَن ينبّهه إلى هذا التخليط العجيب، فثار وفار ومزّق ما طبع، وسَمّى صاحبنا «أباجهل» وراح يخصّه في الحضور وفي الغياب بأجمل ما تفيض به قريحته من السباب، وذاك يضحك منها ولا تزيده إلاّ شحماً ولحماً وزيادة في الوزن وفي حب الأكل (¬1).
¬__________
(¬1) راجع مقالتي في جريدة الأيام، أيلول 1961.

الصفحة 372