كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

كان في دمشق يومئذٍ (أي سنة 1930) أربع جرائد: «المقتبس» و «ألف باء» و «الشعب» و «فتى العرب»، وجرائد أخرى ليست في منزلة هذه الجرائد ولا هي مُطّردة الصدور مثلها.
وكانت إدارة «فتى العرب» في العمارة الصغيرة التي كانت بين قصر الحكومة (السراي) والبلدية وسينما غازي وهُدمت، وكانت تشتمل على دكّانَين فوقهما بهو واسع، وكانت هيئة التحرير (وهي مؤلّفة من الأستاذ معروف ومنّي!) في دكّان، والإدارة والتوزيع في دكّان يشرف عليهما موظف واحد ... وكان فوقه المطبعة وعُمّالها.
وكان عمالها من الصفوة المختارة لأن خط معروف كان أعجب خطّ رأيته، وكان الناظر إليه أول مرّة لا يدري هل الذي يراه خرابيش ولد مبتدئ أم نوع من الخطّ المسماري القديم. لذلك لم يكن يقدر على قراءته إلاّ من تعوّد عليه من مَهَرة العمال.
هنا كتب معروف رواياته «سيد قريش» و «عُمَر بن الخطاب» (التي لم يكن فيها عن عُمَر إلاّ العنوان) و «طارق بن زياد» و «فاطمة البتول»، كان يكتبها في هدأة من الليل حين تخلو الساحة من الناس ويسكن الجوّ وتصفو النفس، وأمامه بردى، وإن كان بردى يصل إلى المرجة عجوزاً وانياً، ليس هو بردى الشاب الذي يقفز على صخرات الوادي يتوثب من القوة ويكاد يتفجر بالنشاط. ولم يكن قد جاء دمشقَ هذا البلاء الذي عكّر صفاء الليل وأطار نوم النائم، وزاد أوجاع المريض وعطّل عن دراسته الطالب، لم يكن في دمشق كلها إلاّ رادّ (راديو) واحد جاء به محمد علي بك العابد، ثم جاء الأمير سعيد الجزائري (حفيد الأمير عبد القادر)

الصفحة 373