كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

بالثاني. هنالك كان معروف يوقد على النارجيلة ويُعِدّ القلم، فيأخذ من نارجيلته السمّ ويُعطي من قلمه العسل.
كانت الجريدة في أربع صفحات، وكانت العادة أن يكون في الصفحة الأولى ثلاث مقالات. وقد ابتكر يوسف العيسى صاحب «ألف باء» زاوية سَمّاها «مَباءة نحل» لأنها تقرص قرص النحل، قلّدها كثيرون، وكنت أنا ممّن قلّدها في «فتى العرب» فكتبت زاوية «مذكّرات خُنفشاري»، ولم يفلح أحدٌ في تقليدها لا أنا ولا غيري. وفي الصفحة الثانية والثالثة الأخبار المحلّية وأخبار المناطق، وفي الرابعة الأخبار العالمية، وكانت تؤخذ من وكالتَي رويتر وهافاس (الفرنسية)، وخلال ذلك كله الإعلانات.
ولم يكن لأكثر الجرائد يومئذٍ مراسلون فكان المراسل المقص. ولمعروف في هذا الباب نوادر؛ كان يجيئه العامل فيقول له: أستاذ، ينقصنا ربع عمود. فيقول: من أين آتيك بربع عمود يا أخا الـ ... وينطق بالكلمة الشامية التي يقولها صبيان الأزقّة! ثم يقول له: انتظر. ويبحث في زوايا ذاكرته عمّا يحفظ من أسماء البلدان في درس الجغرافية ويكتب: «أوتاوا، شبّت النار في مخازن للخشب شمالي المدينة وأسرع إليها رجال الإطفاء، وكانت الخسائر كبيرة لكن لم يُصَب أحد من الناس بأذى». «شيكاغو، وقعت معركة بين رجال العصابات وبين الشرطة كان سلاحها المسدسات والقنابل، وانتهت بالقبض على زعيم العصابة وإصابة شرطيَّين بجروح طفيفة»، ومثل هذه الأخبار.
ومن أعجب اختراعاته ما أشرت إليه من قريب في المقابلة التي «أجراها» معي الرائي. ذلك أنه لمّا كانت الحرب بين الأفغان

الصفحة 374