كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

والإنكليز جاءه العامل فأخبره أن لديهم فراغ عمود كامل. قال: عمود كامل يا ابن الكذا وكذا؟ أبوك وأمك! ولما فرغ من شتمه وجد أن العمود لا يزال فارغاً ما ملأته الشتائم، فماذا يصنع؟ تخيّلَ معاهدة صلح بين المتحاربين وكتب موادّها وحدّد شروطها، وزعم أن مراسل الجريدة الخاصّ في كابول استطاع أن يحصل على نَصّها الذي يُنشَر لأول مرة.
وبلغ من إحكامها أنْ أخذها مراسل «هافاس» فبعث بها إلى الصحف التي يراسلها فنشرتها، وكانت جرائد مصر (الأهرام والمقطّم) تنقل عن جرائد أوربا ونحن ننقل عن جرائد مصر، فما مرّت أيام حتى نقلتها جرائدنا عن الأهرام والمقطم، ولم يكن أحدٌ ليعرف الحقيقة لو لم يعلنها أديب الصفدي فتُنشَر في صحف أوربا وتصير حديث الناس.
وكان له مع الحُكّام أسلوب عجيب؛ دخل مرة على واحد من رؤساء الوزارات (أعرفه)، كان من عادته أنه يفتح بابه لأصحاب الحاجات فيسمع منهم، ثم يأخذ الهاتف فيكلم الموظف (المختصّ) يقول له: "آلو، أنا مرسل إليك فلاناً فاقضِ حاجته حالاً". وكان هذا الهاتف مقطوع الشريط. فدخل عليه معروف بعد أيام ومعه كيس قدّمه إليه، فوجد فيه الرئيس قطعة شريط. قال: ما هذا؟ فقال: مولانا، العفو. جئتك بهذه القطعة لتصل بها شريط هاتفك لأنه مقطوع على ما يظهر. فضحك وكلّم له الموظف بالهاتف الثاني.
وكان الرؤساء يدعون أصحاب الصحف، فيوزّعون

الصفحة 375