كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

لا إلى الأطلال التي وصفتها في الحلقة التي مضت، بل إلى الدار أيام عزّها. أترون جلالها وتحسّون جمالها؟
هنا كانت المدرسة الأولى التي دخلتها في حياتي. لا تعجلوا عليّ فتغبطوني أن انتقلت من ذلك الكُتّاب المُعتم إلى هذه المدرسة المشرقة ومن ضيقه إلى سعتها، فقد يعيش المرء سعيداً في الكوخ وقد يشقى في القصر. أما أنا فقد استهللت دراستي شقياً في الكُتّاب وشقياً في المدرسة. هذه المدرسة الكبيرة، التي كانت تسمى «اتحاد وترقّي مكتبي إعدادي سي» والتي اختصر الناس اسمَها وعرّبوه فقالوا «المدرسة التجارية» لأن الذي فتحها جماعة من التجّار (¬1).
وكانت مدرسة جامعة، فيها قسم للحضانة وقسم للابتدائي وقسم للإعدادي والثانوي، ومجموع سنوات الدراسة فيها اثنتا عشرة سنة، ومنها إلى الطب أو السفر لإسطمبول. وهي إحدى مدارس أهلية ثلاث: «الكاملية» التي أنشأها الشيخ كامل القصاب، العالِم الوطني السياسي ومن مؤسّسي «المعارف» في المملكة، و «الكلية العلمية الوطنية»، وهذه (المدرسة التجارية).
ومدارس حكومية أُنشئت في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، مع مدارس البنات التي فُتحت بسعي المصلح الموجّه المعلم الشيخ طاهر الجزائري. ولي عمة كانت رحمها الله من أوائل مَن تعلّم في هذه المدارس وأخذت منها الشهادة «الرشدية»
¬__________
(¬1) يَسأل الرئيس خالد بك العظم في مذكّراته -وقد كان تلميذاً فيها عند أبي- أن لماذا سُمّيت المدرسةَ التجاريةَ، وهذا هو الجواب.

الصفحة 43