كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

ببنائه الجميل وما فيه من الخشب المحفور (¬1) الذي أتقن صناعته أبوسليمان الخياط (¬2)، وصنع بعده خشب «دار عين الفيجة»، ثم دار «بيت الدين» في لبنان.
ما كانت عندنا سيارات ولا شوارع يمكن أن تمشي فيها السيارات، إنما كانت عندنا العربات الجميلة تجرّها الخيول الأصيلة. وأنا أذكر أن أول سيارة وصلت إلينا وصلت سنة 1916 وخرج الناس ينظرون إليها، فلما رأوها تمشي وحدها لا يسحبها حصان قال قائل من العوامّ إن الجنّ تسيّرها، فتدافع ضعاف القلوب هاربين. وهربنا نحن الصغار معهم، وضاعت حقيبة كتبي ونلت على ذلك جزائي.
* * *
¬__________
(¬1) من جنس الذي كان في مكة وجدة في واجهات العمارات ورَواشن الشبابيك، ولكنه أجمل وأكمل. وقد دعوت في حلقة الجمعة 25 المحرم سنة 1402 من «نور وهداية» إلى حفظ ما في مكة وصيانته، ولكن كان العمال يكسرونه ويلقونه مع الأنقاض في الساعة التي كنت أتكلم فيها ... فإذا نتاج تلك الأيدي الماهرة وبقايا ذلك الفن البديع قد صار حطاماً تطؤه الأقدام مع أنقاض الدور، بل القصور، التي هُدمت في أجياد لتوسعة الشارع!
(¬2) وهو الأخ الأكبر لشيخ أطباء الشام الدكتور حمدي الخياط، أول متخصص في البكتيريا والجراثيم. كان أستاذاً في كلية الطب في دمشق من سنة 1920، وهو أحد مؤلّفي معجم المصطلحات الطبية، يحسن علوم العربية كما يحسن الفرنسية والإنكليزية والألمانية واليونانية واللاتينية، تُوفّي رحمه الله سنة 1400هـ، وابنه الدكتور هيثم من أنبغ شباب العصر.

الصفحة 51