كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

أما الطيارة فقد جاءتنا سنة 1915 (سمعت بذلك ولم أرَه لأني كنت صغيراً. وكانت قصة عجباً تحدّث الناس بها طويلاً، مع أن الطيران إنما ابتدأ سنة 1903) يقودها طياران تركيان مسلمان، فتحي وآخر نسيت اسمه (¬1) واستُقبِلت في المرج الأخضر (وهو الملعب البلدي اليوم وفيه معرض دمشق الدائم، وهو وقف إسلامي) استُقبلت استقبالاً عظيماً، وكان يوماً -كما قالوا- مشهوداً. وطارت بسلام ووُدّع الطياران باحترام، ولكنها سقطت عند طبرية، ودُفن الطياران في صحن مدفن بطل الإسلام وفاتح القدس صلاح الدين الأيوبي، وراء الجدار الشمالي للجامع الأموي.
وأول شارع فُتح في دمشق هو شارع جمال باشا، من رأس سوق الحميدية إلى محطة الحجاز التي يبدأ منها خط القطار وينتهي عند محطة باب العنبرية في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. والخطّ وقف إسلامي ثابت بصكوك قضائية وقرارات دولية، وهو من آثار السلطان المُفترَى عليه الذي شوّه اليهود صورته، السلطان عبدالحميد (انتهى مَدّه سنة 1908، سنة مولدي. وخرّبناه نحن، نحن العرب، بأيدينا وأيدي لورنس وجماعته سنة 1918) (¬2).
هذا هو أول شارع عرفناه، وكان عريضاً جداً وسطه ممر حوله الحدائق وأغراس المرجان، وفُتح معه شارع من محطّة
¬__________
(¬1) ذكّرني ولدي الأستاذ النابغة زهير الشاويش صاحب «المكتب الإسلامي» أن اسمه صادق.
(¬2) في هذه الذكريات القصة الكاملة للخط الحديدي الحجازي. انظر الحلقة الخامسة والسبعين في الجزء الثالث (مجاهد).

الصفحة 52