كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 1)

عليها، وأن الدولة العثمانية -لمّا وضعت يدها على قنصليتَي فرنسا وإنكلترا أيام الحرب- وجدت الأدلّة القاطعة والبراهين الدامغة على خيانة أكثرهم وتجسّسهم (¬1).
طلع النهار فجلّى ما توهمناه في ظلام الليل، فسوّدَت الحقيقةُ الصورةَ التي كانت بيضاء لهؤلاء الذين دعوناهم شهداء، كما بيّضَت وجه السلطان عبد الحميد الذي حاول اليهود تلاميذ إبليس أن يسوّدوه، سوّد الله وجوههم.
* * *
واستيقظنا يوماً من أيام سنة 1918 (المحرم 1337) على صوت رعد شديد، ولكن السماء ما فيها قطعة من غمام، ورجّات هائلة كأنها زلزال، ولكن ما اهتزّت الدار. فصعدنا نحاول أن نرى من سطوح المنازل، فشاهدنا نوراً يسطع ثم يخمد وناراً تتفجّر في الجوّ ثم تهمد، وانتظرنا فجاء من يخبرنا بأن «الجَبخانة» في «القدَم» (¬2) (أي مستودع الذخائر) قد فُجّر! وسألنا: لماذا؟ فلم يعرف أحد لماذا.
¬__________
(¬1) في آخر الجزء الرابع من الطبعة الأولى من هذه الذكريات (التي نشرتها دار المنارة سنة 1986) أضاف جدي رحمه الله تعليقاً استحسنتُ نقله إلى هذا الموضع للمناسبة، وهو: "كتب إليّ الأخ الكريم الأستاذ الكبير أكرم زعيتر يقول إن الذي جاء في هذه الذكريات عن الذين شنقهم جمال باشا لا ينطبق عليهم كلهم، وإن فيهم صالحين مُصلِحين عاشوا فضلاء وماتوا شهداء. وهذا الذي قاله حقٌّ أوافقه فيه وأشكره عليه" (مجاهد).
(¬2) كانت «القدم» فيما مضى قرية بظاهر دمشق إلى الجنوب منها مما =

الصفحة 66