كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 1)

عشر موضعا وَلم يقطع صلَاته قلت ورويناها عَن مُحَمَّد بن أبي حَاتِم وراقه وَقَالَ فِي آخرهَا كنت فِي آيَة فَأَحْبَبْت أَن أتمهَا وَقَالَ وراقه أَيْضا كُنَّا بفربر وَكَانَ أَبُو عبد الله يَبْنِي رِبَاطًا مِمَّا يَلِي بُخَارى فَاجْتمع بشر كثير يعينونه على ذَلِك وَكَانَ ينْقل اللَّبن فَكنت أَقُول لَهُ يَا أَبَا عبد الله إِنَّك تَكْفِي ذَلِك فَيَقُول هَذَا الَّذِي يَنْفَعنِي قَالَ وَكَانَ ذبح لَهُم بقرة فَلَمَّا أدْركْت الْقُدُور دَعَا النَّاس إِلَى الطَّعَام فَكَانَ مَعَه مائَة نفس أَو أَكثر وَلم يكن علم أَنه يجْتَمع مَا اجْتمع وَكُنَّا أخرجنَا مَعَه من فربر خبْزًا بِثَلَاثَة دَرَاهِم وَكَانَ الْخبز إِذْ ذَاك خَمْسَة أمنان بدرهم فألقيناه بَين أَيْديهم فَأكل جَمِيع من حضر وفضلت أرغفة صَالِحَة وَقَالَ وَكَانَ قَلِيل الْأكل جدا كثير الْإِحْسَان إِلَى الطّلبَة مفرط الْكَرم وَحكى أَبُو الْحسن يُوسُف بن أبي ذَر البُخَارِيّ أَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مرض فعرضوا مَاءَهُ على الْأَطِبَّاء فَقَالُوا إِن هَذَا المَاء يشبه مَاء بعض أساقفة النَّصَارَى فَإِنَّهُم لَا يأتدمون فَصَدَّقَهُمْ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَقَالَ لم آتدم مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة فسألوا عَن علاجه فَقَالُوا علاجه الآدم فَامْتنعَ حَتَّى ألح عَلَيْهِ الْمَشَايِخ وَأهل الْعلم فأجابهم إِلَى أَن يَأْكُل مَعَ الْخبز سكرة وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ أَخْبرنِي مُحَمَّد بن خَالِد حَدثنَا مقسم بن سعد قَالَ كَانَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ يجْتَمع إِلَيْهِ أَصْحَابه فيصلى بهم وَيقْرَأ فِي كل رَكْعَة عشْرين آيَة وَكَذَلِكَ إِلَى أَن يخْتم الْقُرْآن وَكَانَ يقْرَأ فِي السحر مَا بَين النّصْف إِلَى الثُّلُث من الْقُرْآن فيختم عِنْد السحر فِي كل ثَلَاث لَيَال وَكَانَ يخْتم بِالنَّهَارِ فِي كل يَوْم ختمة وَيكون خَتمه عِنْد الْإِفْطَار كل لَيْلَة وَيَقُول عِنْد كل ختمة دَعْوَة مستجابة وَقَالَ مُحَمَّد بن أبي حَاتِم الْوراق كَانَ أَبُو عبد الله إِذا كنت مَعَه فِي سفر يجمعنا بَيت وَاحِد إِلَّا فِي القيظ فَكنت أرَاهُ يقوم فِي اللَّيْلَة الْوَاحِدَة خمس عشرَة مرّة إِلَى عشْرين مرّة فِي كل ذَلِك يَأْخُذ القداحة فيوري نَارا بِيَدِهِ ويسرج وَيخرج أَحَادِيث فَيعلم عَلَيْهَا ثمَّ يضع رَأسه فَقلت لَهُ إِنَّك تحمل على نَفسك كل هَذَا وَلَا توقظني قَالَ أَنْت شَاب فَلَا أحب أَن أفسد عَلَيْك نومك قَالَ وَكَانَ يُصَلِّي فِي وَقت السحر ثَلَاث عشرَة رَكْعَة ويوتر مِنْهَا بِوَاحِدَة قَالَ وَكَانَ مَعَه شَيْء مِنْ شَعَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجعله فِي ملبوسه قَالَ وسمعته يَقُول وَقد سُئِلَ عَن خبر حَدِيث يَا أَبَا فلَان تراني أدلس وَقد تركت عشرَة آلَاف حَدِيث لرجل فِيهِ نظر وَتركت مثلهَا أَو أَكثر مِنْهَا لغيره لي فِيهِ نظر وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل أَحْمد بن عَليّ السُّلَيْمَانِي سَمِعت عَليّ بن مُحَمَّد بن مَنْصُور يَقُول سَمِعت أبي يَقُول كُنَّا فِي مجْلِس أبي عبد الله البُخَارِيّ فَرفع إِنْسَان من لحيته قذاة وطرحها إِلَى الأَرْض قَالَ فَرَأَيْت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ينظر إِلَيْهَا وَإِلَى النَّاس فَلَمَّا غفل النَّاس رَأَيْته مد يَده فَرفع القذاة من الأَرْض فَأدْخلهَا فِي كمه فَلَمَّا خرج من الْمَسْجِد رَأَيْته أخرجهَا وطرحها على الأَرْض فَكَأَنَّهُ صان الْمَسْجِد عَمَّا تصان عَنهُ لحيته وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخه من شعره قَوْله اغتنم فِي الْفَرَاغ فضل رُكُوع فَعَسَى أَن يكون موتك بغته كم صَحِيح رَأَيْت من غير سقم ذهبت نَفسه الصَّحِيحَة فلته قلت وَكَانَ من الْعَجَائِب أَنه هُوَ وَقع لَهُ ذَلِك أَو قَرِيبا مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي ذكر وَفَاته وَلما نعي إِلَيْهِ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ الْحَافِظ أنْشد إِن عِشْت تفجع بالأحبة كلهم وَبَقَاء نَفسك لَا أَبَا لَك أفجع
حَدِيثِ جَرْهَدٍ وَمَا مَعَهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِعْطَاءَ حُكْمٍ كُلِّيٍّ وَإِظْهَارَ شَرْعٍ عَامٍّ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ قَالَ النَّوَوِيُّ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ وَمَالكٍ فِي رِوَايَةٍ الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَط وَبِه قَالَ أهل الظَّاهِر وبن جَرِيرٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ قُلْتُ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنِ بن جَرِيرٍ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَهْذِيبِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ قَوْلُ أَنَسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَسَّ كَانَ بِدُونِ الْحَائِلِ وَمَسُّ الْعَوْرَةِ بِدُونِ حَائِلٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي أَنَّ الْإِزَارَ لَمْ يَنْكَشِفْ بِقَصْدٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ مِنْ جِهَةِ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ وُقُوعُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَكِنْ لَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمْ يُقَرَّ عَلَى ذَلِكَ لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِبَيَانِ التَّشْرِيعِ لِغَيْرِ الْمُخْتَارِ لَكَانَ مُمْكِنًا لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ الْبَيَانُ عَقِبَهُ كَمَا فِي قَضِيَّةِ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَسِيَاقُهُ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ ظَاهِرٌ فِي اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَأَجْرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذَيْهِ قَوْلُهُ فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ قِيلَ مُنَاسَبَةُ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَنَّهُمُ اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ وَهِيَ مِنْ آلَاتِ الْهَدْمِ قَوْلُهُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ هُوَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَلْ سَمِعَ مِنْهُ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَسَمِعَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَالْخَمِيسُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَالْجَوْزَقِيِّ الْمَذْكُورَةِ فَقَالُوا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَدَلَّتْ رِوَايَةُ بن عُلَيَّةَ هَذِهِ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَارِثِ إِدْرَاجًا وَكَذَا وَقَعَ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَثَابِتٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَبَعْضُ أَصْحَابِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيحْتَمل أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ أَوْ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ قَوْلُهُ يَعْنِي الْجَيْشَ تَفْسِيرٌ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ وَأَدْرَجَهَا عَبْدُ الْوَارِثِ فِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا وَسُمِّيَ خَمِيسًا لِأَنَّهُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مُقَدِّمَةٌ وَسَاقَةٌ وَقَلْبٌ وَجَنَاحَانِ وَقِيلَ مِنْ تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ وَتَعَقَّبَهُ الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّ التَّخْمِيسَ إِنَّمَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمُّونَ الْجَيْشَ خَمِيسًا فَبَانَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى قَوْلُهُ عَنْوَةً بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَهْرًا قَوْلُهُ أَعْطِنِي جَارِيَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِذْنُهُ لَهُ فِي أَخْذِ الْجَارِيَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْفِيلِ لَهُ إِمَّا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَعْدَ أَنْ مُيِّزَ أَوْ قَبْلُ عَلَى أَنْ تُحْسَبَ مِنْهُ إِذَا مُيِّزَ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِهَا لِتَقُومَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُحْسَبَ مِنْ سَهْمِهِ قَوْلُهُ فَأَخَذَ أَيْ فَذَهَبَ فَأَخَذَ قَوْلُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ قَوْلُهُ خُذْ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ غَيْرَهَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ أُخْتَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ انْتَهَى وَكَانَ كِنَانَةُ زَوْجَ صَفِيَّةَ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيَّبَ خَاطِرَهُ لَمَّا اسْتَرْجَعَ مِنْهُ صَفِيَّةَ بِأَنْ أَعْطَاهُ أُخْتَ زَوْجِهَا وَاسْتِرْجَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ مِنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِ جَارِيَةٍ مِنْ حَشْوِ السَّبْيِ لَا فِي أَخْذِ أَفْضَلِهِنَّ فَجَازَ اسْتِرْجَاعُهَا مِنْهُ لِئَلَّا يَتَمَيَّزُ بِهَا عَلَى بَاقِي الْجَيْشِ مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ وَإِطْلَاقُ الشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ سَبْعَةُ أَرْؤُسٍ مَا يُنَافِي قَوْلَهُ هُنَا خُذْ جَارِيَةً إِذْ لَيْسَ هُنَا دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الزِّيَادَةِ وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مبَاحث هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ كِتَابِ الْمَغَازِي وَالْكَلَامَ عَلَى قَوْلِهِ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ فَقَالَ لَهُ أَيْ لِأَنَسٍ وَثَابِتٌ هُوَ الْبُنَانِيُّ

الصفحة 481