كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 1)

(

ذكر ثَنَاء النَّاس عَلَيْهِ وتعظيمهم لَهُ)
فأولهم مشايخه قَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب وَنظر إِلَيْهِ يَوْمًا فَقَالَ هَذَا يكون لَهُ صيت وَكَذَا قَالَ أَحْمد بن حَفْص نَحوه وَقَالَ البُخَارِيّ كنت إِذا دخلت على سُلَيْمَان بن حَرْب يَقُول بَين لنا غلط شُعْبَة وَقَالَ مُحَمَّد بن أبي حَاتِم سَمِعت البُخَارِيّ يَقُول كَانَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس إِذا انتخبت من كِتَابه نسخ تِلْكَ الْأَحَادِيث لنَفسِهِ وَقَالَ هَذِه الْأَحَادِيث انتخبها مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل من حَدِيثي قَالَ وسمعته يَقُول اجْتمع أَصْحَاب الحَدِيث فسألوني أَن أكلم لَهُم إِسْمَاعِيل بن أبي أويس ليزيدهم فِي الْقِرَاءَة فَفعلت فَدَعَا الْجَارِيَة فَأمرهَا أَن تخرج صرة دَنَانِير وَقَالَ يَا أَبَا عبد الله فرقها عَلَيْهِم قلت إِنَّمَا أَرَادوا الحَدِيث قَالَ أَجَبْتُك إِلَى مَا طلبُوا من الزِّيَادَة غير أَنِّي أحب أَن يضم هَذَا إِلَى ذَاك قَالَ وَقَالَ لي بن أبي أويس أنظر فِي كتبي وَجَمِيع مَا أملك لَك وَأَنا شَاكر لَك أبدا مَا دمت حَيا وَقَالَ حاشد بن إِسْمَاعِيل قَالَ لي أَبُو مُصعب أَحْمد بن أبي بكر الزُّهْرِيّ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل أفقه عندنَا وَأبْصر بِالْحَدِيثِ من أَحْمد بن حَنْبَل فَقَالَ لَهُ رجل من جُلَسَائِهِ جَاوَزت الْحَد فَقَالَ لَهُ أَبُو مُصعب لَو أدْركْت مَالِكًا وَنظرت إِلَى وَجهه وَوجه مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل لَقلت كِلَاهُمَا وَاحِد فِي الحَدِيث وَالْفِقْه قلت عبر بقوله وَنظرت إِلَى وَجهه عَن التَّأَمُّل فِي معارفه وَقَالَ عَبْدَانِ بن عُثْمَان الْمروزِي مَا رَأَيْت بعيني شَابًّا أبْصر من هَذَا وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَقَالَ مُحَمَّد بن قُتَيْبَة البُخَارِيّ كنت عِنْد أبي عَاصِم النَّبِيل فَرَأَيْت عِنْده غُلَاما فَقلت لَهُ من أَيْن قَالَ من بُخَارى قلت بن من قَالَ بن إِسْمَاعِيل فَقلت أَنْت من قَرَابَتي فَقَالَ لي رجل بِحَضْرَة أبي عَاصِم هَذَا الْغُلَام يناطح الكباش يَعْنِي يُقَاوم الشُّيُوخ وَقَالَ قُتَيْبَة بن سعيد جالست الْفُقَهَاء والزهاد والعباد فَمَا رَأَيْت مُنْذُ عقلت مثل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَهُوَ فِي زَمَانه كعمر فِي الصَّحَابَة وَعَن قُتَيْبَة أَيْضا قَالَ لَو كَانَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فِي الصَّحَابَة لَكَانَ آيَة وَقَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف الْهَمدَانِي كُنَّا عِنْد قُتَيْبَة فجَاء رجل شعراني يُقَال لَهُ أَبُو يَعْقُوب فَسَأَلَهُ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ نظرت فِي الحَدِيث وَنظرت فِي الرَّأْي وجالست الْفُقَهَاء والزهاد والعباد فَمَا رَأَيْت مُنْذُ عقلت مثل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل قَالَ وَسُئِلَ قُتَيْبَة عَن طَلَاق السَّكْرَان فَدخل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَقَالَ قُتَيْبَة للسَّائِل هَذَا أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعلي بن الْمَدِينِيّ قد ساقهم الله إِلَيْك وَأَشَارَ إِلَى البُخَارِيّ وَقَالَ أَبُو عَمْرو الْكرْمَانِي حكيت لمهيار بِالْبَصْرَةِ عَن قُتَيْبَة بن سعيد أَنه قَالَ لقد رَحل إِلَيّ من شَرق الأَرْض وَمن غربها فَمَا رَحل إِلَيّ مثل مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَقَالَ مهيار صدق قُتَيْبَة أَنا رَأَيْته مَعَ يحيى بن معِين وهما جَمِيعًا يَخْتَلِفَانِ إِلَى مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فَرَأَيْت يحيى منقادا لَهُ فِي الْمعرفَة وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سَلام كَانَ الرتوت من أَصْحَاب الحَدِيث مثل سعيد بن أبي مَرْيَم وحجاج بن منهال وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس والْحميدِي ونعيم بن حَمَّاد والعدني يَعْنِي مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر والخلال يَعْنِي الْحُسَيْن بن عَليّ الْحلْوانِي وَمُحَمّد بن مَيْمُون هُوَ الْخياط وَإِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر وَأبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء وَأبي سعيد عبد الله بن سعيد الْأَشَج وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى هُوَ الْفراء وأمثالهم يقضون لمُحَمد بن إِسْمَاعِيل على أنفسهم فِي النّظر والمعرفة قلت الرتوت بالراء الْمُهْملَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعد الْوَاو مثناة أُخْرَى هم الرؤساء قَالَه بن الْأَعرَابِي وَغَيره وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل مَا أخرجت خُرَاسَان مثل مُحَمَّد
وَأَبُو حَمْزَةَ كُنْيَةُ أَنَسٍ وَأُمُّ سُلَيْمٍ وَالِدَةُ أَنَسٍ قَوْلُهُ فَأَهْدَتْهَا أَيْ زَفَّتْهَا قَوْلُهُ وَأَحْسَبُهُ أَيْ أَنَسًا قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ وَجَزَمَ عَبْدُ الْوَارِثِ فِي رِوَايَتِهِ بِذِكْرِ السَّوِيقِ فِيهِ قَوْلُهُ فَحَاسُوا بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ خَلَطُوا وَالْحَيْسُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ خَلِيطُ السَّمْنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ قَالَ الشَّاعِرُ التَّمْرُ وَالسَّمْنُ جَمِيعًا وَالْأَقِطُ الْحَيْسُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ وَقَدْ يَخْتَلِطُ مَعَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرُهَا كَالسَّوِيقِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْوَلِيمَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(قَوْلُهُ بَابٌ)
بِالتَّنْوِينِ فِي كَمْ بِحَذْفِ الْمُمَيَّزِ أَيْ كَمْ ثَوْبًا تُصَلِّي الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ قَالَ بن الْمُنْذِرِ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَغْطِيَةُ بَدَنِهَا وَرَأْسِهَا فَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ وَاسِعًا فَغَطَّتْ رَأْسَهَا بِفَضْلِهِ جَازَ قَالَ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ تصلي فِي درع وخمار وَإِزَار وَعَن بن سِيرِينَ مِثْلُهُ وَزَادَ وَمِلْحَفَةٌ فَإِنِّي أَظُنُّهُ مَحْمُولًا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ وَقَالَ عِكْرِمَةُ يَعْنِي مَوْلَى بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ جَازَ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَأَجَزْتُهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَأَثَرُهُ هَذَا وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَفْظُهُ لَوْ أَخَذَتِ الْمَرْأَةُ ثَوْبًا فَتَقَنَّعَتْ بِهِ حَتَّى لَا يُرَى مِنْ شَعْرِهَا شَيْءٌ أَجْزَأَ عَنْهَا

[372] قَوْلُهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ اللَّامُ فِي لَقَدْ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ قَوْلُهُ مُتَلَفِّعَاتٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ التَّلَفُّعُ أَنْ تَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ حَتَّى تُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَكِ وَفِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لِابْنِ حَبِيبٍ التَّلَفُّعُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالتَّلَفُّفُ يَكُونُ بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَكَشْفِهِ والمروط جَمْعُ مِرْطٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ كِسَاءٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ مَا يُقْتَضَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِلُبْسِ النِّسَاءِ وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى اسْتِدْلَالِ الْمُصَنِّفِ بِهِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ بِأَنَّ الِالْتِفَاعَ الْمَذْكُورَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ ثِيَابٍ أُخْرَى وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ تَمَسَّكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنَّ اخْتِيَارَهُ يُؤْخَذُ فِي الْعَادَةِ مِنَ الْآثَارِ الَّتِي يُودِعُهَا فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُهُ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ زَادَ فِي الْمَوَاقِيتِ مِنَ الْغَلَسِ وَهُوَ يُعَيِّنُ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ هَلْ عَدَمُ الْمَعْرِفَةِ بِهِنَّ لِبَقَاءِ الظُّلْمَةِ أَوْ لِمُبَالَغَتِهِنَّ فِي التَّغْطِيَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ مَبَاحِثِهِ فِي الْمَوَاقِيتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

الصفحة 482