كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 1)

وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ يَعْنِي فِي التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ قَالَ لِأَنَّ عَادَةَ الْمِصْرِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ ذِكْرُ الْخَبَرِ فِيمَا يَرْوُونَهُ قُلْتُ هَذَا التَّعْلِيلُ مَرْدُودٌ وَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ يُوثَقْ بِرِوَايَةِ مُدَلِّسٍ أَصْلًا وَلَوْ صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَرِوَايَةُ مُعَاذٍ لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى أَنَّ حُمَيْدًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَنَسٍ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ أَنَسٍ ثُمَّ يَسْتَثْبِتَ فِيهِ مِنْ مَيْمُونٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ فَكَانَ حَقِيقًا بِضَبْطِهِ فَكَانَ حُمَيْدٌ تَارَةً يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ أَنَسٍ لِأَجْلِ الْعُلُوِّ وَتَارَةً عَنْ مَيْمُونٍ لِكَوْنِهِ ثَبَّتَهُ فِيهِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ حُمَيْدٍ بِهَذَا يَقُولُ حَدَّثَنِي أَنَسٌ وَثَبَّتَنِي فِيهِ ثَابِتٌ وَكَذَا وَقع لغير حميد

(قَوْلُهُ بَابُ قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَالْمَشْرِقِ)
نَقَلَ عِيَاضٌ أَنَّ رِوَايَةَ الْأَكْثَرِ ضَمُّ قَافِ الْمَشْرِقِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى بَابٍ وَيَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ وَالَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِالْخَفْضِ وَوَجَّهَ السُّهَيْلِيُّ رِوَايَةَ الضَّمِّ بِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى ذَلِكَ كَوْنُ حُكْمِ الْمَشْرِقِ فِي الْقِبْلَةِ مُخَالِفًا لِحُكْمِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِ الشَّامِ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ وَأَجَابَ بن رَشِيدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ حُكْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَوَاءٌ تَوَافَقَتِ الْبِلَادُ أَمِ اخْتَلَفَتْ قَوْلُهُ لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ هَذِهِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا عَلَى عُمُومِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمُخَاطَبِينَ وَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ سَمْتِهِمْ مِمَّنْ إِذَا اسْتَقْبَلَ الْمَشْرِقَ أَوْ الْمَغْرِبَ لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَسْتَدْبِرْهَا أَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْمَشْرِقِ فَقِبْلَتُهُ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ وَهَذَا مَعْقُولٌ لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ كَلَامِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ أَيْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي تَخْصِيصِهِ الْمَدِينَةَ وَالشَّامَ بِالذِّكْرِ وَقَالَ بن بَطَّالٍ لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ مَغْرِبَ الْأَرْضِ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمَشْرِقِ إِذِ الْعِلَّةُ مُشْتَرَكَةٌ وَلِأَنَّ الْمَشْرِقَ أَكْثَرُ الْأَرْضِ الْمَعْمُورَةِ وَلِأَنَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ فِي جِهَةِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ قَلِيلَةٌ انْتَهَى

[394] قَوْلُهُ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَالْمُرَادُ أَنَّ سُفْيَانَ حَدَّثَ بِهِ عَلِيًّا مَرَّتَيْنِ مَرَّةً صَرَّحَ بِتَحْدِيثِ الزُّهْرِيِّ لَهُ وَفِيهِ عَنْعَنَةُ عَطَاءٍ وَمَرَّةً أَتَى بِالْعَنْعَنَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَبِتَصْرِيحِ عَطَاءٍ بِالسَّمَاعِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ مُعَلَّقَةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ فِي الْأَوَّلِ عَنْ أَبِي أَيُّوبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الثَّانِي سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ الثَّانِي أَقْوَى لِأَنَّ السَّمَاعَ أَقْوَى مِنَ الْعَنْعَنَةِ وَالْعَنْعَنَةُ أَقْوَى مِنْ أَنَّ لَكِنْ فِيهِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ حَيْثُ قَالَ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى وَفِي دَعْوَاهُ ضَعْفُ أَنَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَنْ نَظَرٌ فَكَأَنَّهُ قَلَّدَ فِي ذَلِكَ نقل بن الصَّلَاحِ عَنْ أَحْمَدَ وَيَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ وَقَدْ بَين شَيخنَا فِي شَرحه منظومته وهم

الصفحة 498