كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 1)

* (* فصل الا بِالتَّشْدِيدِ وَكسر أَوله أَو فَتحه *) * وَإِلَّا بِالتَّخْفِيفِ بِالْفَتْح وبالكسر إِلَّا بِالْكَسْرِ وَالتَّشْدِيد حرف اسْتثِْنَاء أَو اسْتِدْرَاك وبالتخفيف للغاية وَيرد بمعني مَعَ كَقَوْلِه يرْبط إِلَى سَارِيَة الْمَسْجِد وَبِمَعْنى اللَّام كَقَوْلِه جِئْت إِلَى أَمِير السّريَّة وبالفتح وَالتَّشْدِيد للتوبيخ وبالتخفيف للاستفتاح وَوَقع اخْتِلَاف فِي بعض الْأَحَادِيث بَيناهُ فِي موَاضعه فصل ام قَوْله إمالا تَكَرَّرت وَهِي بِكَسْر أَوله وَتَشْديد الْمِيم وَفتح اللَّام وَضَبطه الْأصيلِيّ بِكَسْرِهَا وَخطأ أَبُو حَاتِم من كسرهَا وَنسبه إِلَى الْعَامَّة لَكِن خرج على الإمالة وَجعل الْكَلِمَة كلهَا وَاحِدَة وَالْمعْنَى إِن كنت لَا تفعل كَذَا فافعل غَيره وَكَأَنَّهُم اكتفوا بِذكر لَا عَن ذكر الْفِعْل وَأما بِفَتْح وَتَخْفِيف حرف استفتاح وَيكون بمعني حَقًا وَهِي مركبة من همزَة الِاسْتِفْهَام وَمَا النافية وتفيد التَّقْرِير وَهِي مثل ألم كَقَوْلِه ألم نشرح لَك وَوَقع فِي قصَّة الْحسن رَضِي الله عَنهُ أما علمت ولبعضهم بِحَذْف الْهمزَة وَهِي تحذف كثيرا وَلَا بُد هُنَا من تقديرها قَوْله وَلَا أمتا قَالَ فِي الأَصْل هِيَ الرابية قَوْله أمدها أَي غايتها الأمد الْغَايَة قَوْله ويشركونا فِي الْأَمر فِي رِوَايَة الْجِرْجَانِيّ فِي الثَّمر بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْأَوْجه قَوْله لقد أَمر بِفَتْح ثمَّ كسر أَمر بن أبي كَبْشَة أَي عظم يُقَال أَمر الْقَوْم إِذا كَثُرُوا وَمِنْه لقد جِئْت شَيْئا إمرا أَي عَظِيما قَوْله تأمرتم بِوَزْن تفعلتم أَي تشاورتم وَهُوَ من الائتمار وَهُوَ المشورة وَقَوله يأتمرون أَي يتشاورون قَوْله فَإِن أَصَابَت الإمرة بِكَسْر أَوله وَسُكُون الْمِيم أَي الْإِمَارَة وَأما الأمارة بِالْفَتْح فَهِيَ الْعَلامَة وَورد لفظ الْأَمر كثيرا فِي معنى طلب الْفِعْل وَأما أَمر السَّاعَة وَأمر الْعَامَّة فَمَعْنَاه الشَّأْن وَكَذَا قَوْله أولي الْأَمر قَوْله أمرنَا مُتْرَفِيهَا أَي كثرناهم وَقيل أمرناهم بِالطَّاعَةِ قَوْله فِي قصَّة السِّوَاك فلينته فَأمره بِالتَّشْدِيدِ أَي اسْتنَّ بِهِ وللقابسي بأَمْره وَالْأول أوجه قَوْله أمللت أَي أمليت وَقَوله تملى عَلَيْهِ أَي تقْرَأ وَقَوله يُمْلِيهَا على كلمة كلمة من الْإِمْلَاء وَهُوَ إِلْقَاء القَوْل على سامعه قَوْله أمنا فِي ثوب من الْإِمَامَة وَقَوله فِي إِمَام مُبين أَي الطَّرِيق وَالْإِمَام كل مَا ائتممت بِهِ واهتديت قَوْله وإمامكم مِنْكُم قيل خليفتكم وَقيل الْقُرْآن قَوْله على أمة أَي على إِمَام قَالَه مُجَاهِد وَقَوله أمتكُم أمة وَاحِدَة أَي دينكُمْ وَقَوله وادكر بعد أمة أَي بعد قرن وَقُرِئَ بعد أمة بِفَتْح الْهمزَة وَالْمِيم المخففة بعْدهَا هَاء وَالْأمة النسْيَان وللأمة معَان أُخْرَى غير هَذِه قَوْلُهُ لَا أُمَّ لَكَ هِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَب عِنْد الْإِنْكَار وَقد لَا يقْصد بهَا الذَّم قَوْله إِن تَلد الْأمة أَي الْجَارِيَة الموطوأة وَقَوله فِي ولد الْمُلَاعنَة وَكَانَ بن أمه هُوَ بِضَم أَوله وَتَشْديد الْمِيم بعْدهَا هَاء أَي يدعى إِلَيّ أمه لانْقِطَاع نسبه من أَبِيه قَوْله الأمى أَي الَّذِي لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب قيل نسب إِلَيّ الْأُم لِأَن ذَلِك من شَأْن النِّسَاء غَالِبا قَوْله فِي حَدِيث عمر بعد أَن قَالَهَا أمنت للْأَكْثَر بِكَسْر الْمِيم مَقْصُورا وَالتَّاء مَضْمُومَة للمتكلم ومفتوحة على الْحِكَايَة وللأصيلي بِالْمدِّ وَفتح الْمِيم قَوْله أمنا بني أرفدة بِالنّصب على الْمصدر أَي أمنتم أمنا وللأصيلي والهروي آمنا بِالْمدِّ أَي صادفتم وقتا أَو مَكَانا أَو بَلَدا وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِره يَعْنِي من الْأَمْن وَقَول عَائِشَة فأممت منزلي بتَشْديد الْمِيم أَي فيممت وَهَذِه الْيَاء مسهلة من الْهمزَة قَوْله إِلَّا آمن عَلَيْهِ الْبشر أَي آمنُوا عِنْد معاينته لوضوح المعجزة قَوْله إِن الْأَمَانَة نزلت فِي جذر قُلُوب الرِّجَال قيل المُرَاد بهَا التَّكْلِيف وَقيل بِمَعْنى مَا إِذا تمكن فِي قلب العَبْد إِذْ قَامَ بأَدَاء التكاليف
الشَّارِحِينَ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ النَّصُّ وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ فِي اكْتِفَائِهِمْ فِي الْإِيمَانِ بِنُطْقِ اللِّسَانِ وَفِيهِ جَوَازُ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ وَتَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ وَإِنْ خَفِيَ وَجْهُ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الرَّعِيَّةِ وَفِيهِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ فِيمَا يَعْتَقِدُ الشَّافِعُ جَوَازَهُ وَتَنْبِيهُ الصَّغِيرِ لِلْكَبِيرِ عَلَى مَا يَظُنُّ أَنَّهُ ذَهِلَ عَنْهُ وَمُرَاجَعَةُ الْمَشْفُوعِ إِلَيْهِ فِي الْأَمْرِ إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى مَفْسَدَةٍ وَأَنَّ الْإِسْرَارَ بِالنَّصِيحَةِ أَوْلَى مِنَ الْإِعْلَانِ كَمَا سَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَسَارَرْتُهُ وَقَدْ يَتَعَيَّنُ إِذَا جَرَّ الْإِعْلَانُ إِلَى مَفْسَدَةٍ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أُشِيرَ عَلَيْهِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْمُشِيرُ مَصْلَحَةً لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ بَلْ يُبَيَّنُ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ وَفِيهِ الِاعْتِذَارُ إِلَى الشَّافِعِ إِذَا كَانَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْكِ إِجَابَتِهِ وَأَنْ لَا عَيْبَ عَلَى الشَّافِعِ إِذَا رُدَّتْ شَفَاعَتُهُ لِذَلِكَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْإِلْحَاحِ فِي السُّؤَالِ كَمَا اسْتَنْبَطَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْهُ فِي الزَّكَاةِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ حُذِفَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلتَّعْمِيمِ أَيْ أَيَّ عَطَاءٍ كَانَ قَوْلُهُ أَعْجَبُ إِلَيَّ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَحَبُّ وَكَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ وَمَا أُعْطِيهِ إِلَّا مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ إِلَخْ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ إِنِّي أُعْطِي رِجَالًا وَأَدَعُ مَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُمْ لَا أُعْطِيهِ شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ قَوْلُهُ أَنْ يَكُبَّهُ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْكَافِ يُقَالُ أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا أَطْرَقَ وَكَبَّهُ غَيْرُهُ إِذَا قَلَبَهُ وَهَذَا عَلَى خلاف الْقيَاس لِأَنَّ الْفِعْلَ اللَّازِمَ يَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَهَذَا زِيدَتْ عَلَيْهِ الْهَمْزَةُ فَقُصِرَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَقَالَ يُقَالُ أَكَبَّ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِذَا وَقَعَ الْفِعْلُ قُلْتُ كَبَّهُ وَكَبَبْتُهُ وَجَاءَ نَظِيرُ هَذَا فِي أَحْرُفٍ يَسِيرَةٍ مِنْهَا أَنْسَلَ رِيشُ الطَّائِرِ وَنَسْلْتُهُ وَأَنْزَفَتِ الْبِئْرُ وَنَزَفْتُهَا وَحَكَى بن الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمُتَعَدِّي كَبَّهُ وَأَكَبَّهُ مَعًا تَنْبِيهٌ لَيْسَ فِيهِ إِعَادَةُ السُّؤَالِ ثَانِيًا وَلَا الْجَوَابُ عَنهُ وَقد روى عَن بن وَهْبٍ وَرِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ جَمِيعًا عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدٍ آخَرَ قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَنَقَلَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ رَاوِيهِ وَهُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْهُمَا قَوْله وَرَوَاهُ يُونُس يَعْنِي بن يَزِيدَ الْأَيْلِيَّ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ الزُّهْرِيِّ الْمُلَقَّبِ رُسْتَهْ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَقَبْلَ الْهَاءِ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٌ وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْ سِيَاقِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَيْسَ فِيهِ إِعَادَةُ السُّؤَالِ ثَانِيًا وَلَا الْجَواب عَنهُ قَوْله وَصَالح يَعْنِي بن كَيْسَانَ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِيهِ مِنِ اللَّطَائِفِ رِوَايَةُ ثَلَاثَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ صَالِحٌ وَالزُّهْرِيُّ وعامر قَوْله وَمعمر يَعْنِي بن رَاشِدٍ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ وَقَالَ فِيهِ إِنَّهُ أَعَادَ السُّؤَالَ ثَلَاثًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ فِي إِسْنَادِهِ وَهْمٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ لِأَنَّ مُعظم الرِّوَايَات فِي الْجَوَامِع وَالْمَسَانِيد عَن بن عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِزِيَادَةِ مَعْمَرٍ بَينهمَا وَكَذَا حدث بِهِ بن أَبِي عُمَرَ شَيْخُ مُسْلِمٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَزَعَمَ أَبُو مَسْعُودٍ فِي الْأَطْرَافِ أَن الْوَهم من بن أَبِي عُمَرَ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ الْوَهْمُ صَدَرَ مِنْهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ مُسْلِمًا لَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّنِ الْوَهْمُ فِي جِهَتِهِ وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ محيي الدّين على أَن بن عُيَيْنَةَ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً بِإِسْقَاطِ مَعْمَرٍ وَمَرَّةً بِإِثْبَاتِهِ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ تَضَافَرَتْ عَن بن عُيَيْنَةَ بِإِثْبَاتِ مَعْمَرٍ وَلَمْ يُوجَدْ بِإِسْقَاطِهِ إِلَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْمَوْجُودُ فِي مُسْنَدِ شَيْخِهِ بِلَا إِسْقَاطٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانَ الْعَمَلُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يُخَالِفُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْمَرْءَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ

الصفحة 81