كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 2)

"""""" صفحة رقم 12 """"""
فصل
قال أحمد بن محمد بن عبد ربه صاحب العقد في كتابه يرفعه إلى وهب بن منبِّه إنه قال : قرأت في " التوراة " أن الله عز وجل حين خلق آدم رَكَّب جسده من أربعة أشياء ؛ ثم جعلها وراثة في ولده ، تنمى في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة . رَطْب ، ويابس ، وسُخْن ، وبارد . قال : وذلك أن الله سبحانه وتعالى خلقه من تراب وماء ، وجعل فيه يُبْساً ورطوبة ، فيبوسة كل جسد من قبل التراب ، ورطوبته من قبل الماء ، وحرارته من قبل النفس ، وبرودته من قبل الروح . ثم خلق للجسد بعد هذا الخلق الأوّل أربعة أنواع أُخر وهي ملاك الجسد وقوامه ، لا يقوم الجسد إلا بهنّ ، ولا تقوم واحدة منهنّ إلا بالأخرى : المِرّة السوداء ، والمرّة الصفراء ، والدم الرطب الحارّ ، والبلغم البارد . ثم أسكن بعض هذا الخلق في بعض ، فجعل مَسْكن اليبوسة في المِرّة السوداء ، ومسكن الرطوبة في الدّم ، ومسكن البرودة في البلغم ، ومسكن الحرارة في المِرّة الصفراء . فأيما جسدٍ اعتدلت فيه هذه الفطر الأربع وكانت كلُّ واحدة فيه وفقاً لا تزيد ولا تنقص ، كملت صحته واعتدل بناؤه . فإن زادت واحدة منهنّ عليهنّ وقهرتْهنّ ومالت بهنّ ، دخل على أخواتها السُّقْم من ناحيتها بقدر ما زادت ؛ وإن كانت ناقصة عنهنّ ، مِلْن بها وعلونها وأدخلن عليها السُّقْم من نواحيهنّ ، لغلبتهنّ عليها حتَّى تضعف عن طاقتهنّ وتعجز عن مقاومتهنّ .
قال وهب : وجعل عقله في دماغه ، وشرهه في كُلْيتيه ، وغضبه في كبده ، وصرامته في قلبه ، ورغبته في رئته ، وضحكه في طحاله ، وحزنه وفرحه في وجهه . وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا .

الصفحة 12