كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 2)
"""""" صفحة رقم 13 """"""
ويقال : إنما لُقِّب الإنسان بالعالم الصغير ، لأنهم مثَّلُوا رأسه بالفلك ، ووجهه بالشمس إذ لا قوام للعالم إلا بها كما لا قوام للجسد إلا بالرُّوح ، وعقله بالقمر لأنه يزيد وينقص ويذهب ويعود ؛ ومثلوا حواسَّه الخمس ببقية الكواكب السيَّارة ، وآراءه بالنجوم الثابتة ، ودمعه بالمطر ، وصوته بالرعد ، وضحكه بالبرق ، وظهره بالبرّ ، وبطنه بالبحر ، ولحمه بالأرض ، وعظامه بالجبال ، وشعره بالنبات ، وأعضاءه بالأقاليم ، وعروقه بالأنهار ، ومغار عروقه بالعيون .
ومنها : أن فيه ما يشاكل الجمعة ، والشهر ، والأيام ، والسنة .
أما أيام الجمعة ، فإن بدنه سبعة أجزاء ، وهي اللحم ، والعظام ، والعروق ، والأعصاب ، والدّم ، والجلد ، والشعر .
وأما الشهور ، فإن لبدنه أثنى عشر جزءا مدبرةً : ستة منها باطنة ؛ وهي الدماغ ، والقلب ، والكبد ، والطِّحال ، والمعدة ، والكُلْيتان ؛ وستة ظاهرة ، وهي العقل ، والحواسُّ الخمس ؛ فهذه الاثنا عشر مقابلة لشهور السنة .
وأما الأيام ، فإن فيه ثلاثمائة وستين عظما ؛ منها ما هو لبنية الجسد مائتان وثمانية وأربعون عظما . والإنسان ينقسم إلى أربعة أنواع : الرأس ، واليدان ، والبدن ، والرجلان ، ففي الرأس اثنتان وأربعون عظما ؛ وفي اليدين اثنان وثمانون عظما ؛ وفي البدن أربعون عظما ؛ وفي الرجلين أربعة وثمانون عظما ؛ والباقي سُمْسُمانية لسدّ الفروج التي تكون بين العظام . وفيه ثلاثمائة وستون عِرْقا . وأما فصول السنة : فإن فيه أربعة أخلاط طبْعُها طبعُ الفصول الأربعة ، فالدّم كالربيع في حرارته ورطوبته ، والمِرّة الصفراء كالصيف في حرّه ويبسه ، والمرّة السوداء كالخريف في برده ويبسه ، والبلغم كالشتاء في برده ورطوبته . وهذه الأخلاط من أوّل مزاج الأركان التي هي العناصر الأربعة ، وهي : النار ، والهواء ، والماء ، والأرض .