كتاب موسوعة الألباني في العقيدة (اسم الجزء: 2-3)

دونه! وإنما أريد أن يهتم بذلك المسلمون اهتماما شديداً كبيراً، وأعني بالمسلمين بطبيعة الأمر الدعاة، ولعل الأصح أن نقول: العلماء منهم؛ لأن الدعاة اليوم-مع الأسف الشديد-يدخل فيهم كل مسلم ولو كان على فقر مدقع من العلم، فصاروا يعدون أنفسهم دعاة إلى الإسلام، وإذا تذكرنا تلك القاعدة المعروفة-لا أقول: عند العلماء فقط بل عند العقلاء جميعاً-تلك القاعدة التي تقول: «فاقد الشيء لا يعطيه»؛ فإننا نعلم اليوم بأن هناك طائفة كبيرة جداً يعدون بالملايين من المسلمين تنصرف الأنظار إليهم حين يطلق لفظة: الدعاة. وأعني بهم: جماعة الدعوة، أو: جماعة التبليغ «ومع ذلك فأكثرهم كما قال الله عز وجل: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (لأعراف: 187).
ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول-أو بالأمر الأهم-من الأمور التي ذكرت آنفاً، وأعني: العقيدة والعبادة والسلوك، وأعرضوا عن الإصلاح الذي بدأ به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بل بدأ به كل الأنبياء، وقد بينه الله تعالى بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36). فهم لا يعنون بهذا الأصل الأصيل والركن الأول من أركان الإسلام-كما هو معلوم لدى المسلمين جميعاً-هذا الأصل الذي قام يدعو إليه أول رسول من الرسل الكرام ألا وهو نوح - صلى الله عليه وآله وسلم - قرابة ألف سنة، والجميع يعلم أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من التفصيل لأحكام العبادات والمعاملات ما هو معروف في ديننا هذا لأنه الدين الخاتم للشرائع والأديان، ومع ذلك فقد لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يصرف وقته وجل اهتمامه للدعوة إلى التوحيد، ومع ذلك أعرض قومه عن دعوته كما بين الله-عز وجل-ذلك في محكم التنزيل {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} (نوح: 23).

الصفحة 11