كتاب موسوعة الألباني في العقيدة (اسم الجزء: 2-3)

{ ... يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ... } (البقرة: 146).
ومع ذلك هذه المعرفة ما أغنت عنهم من الله شيئاً لماذا؟ لأنهم لم يصدقوه فيما يدعيه من النبوة والرسالة، ولذلك فإن الإيمان تسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها، بل لا بد أن يقترن مع المعرفة الإيمان والإذعان، لأن المولى عز وجل يقول في محكم التنزيل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ... } (محمد: 19).
وعلى هذا، فإذا قال المسلم: لا إله إلا الله بلسانه؛ فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة هذه الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل، فإذا عرف وصدق وآمن؛ فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها آنفاً، ومنها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - مشيراً إلى شيء من التفصيل الذي ذكرته آنفاً: «من قال: لا إله إلا الله، نفعته يوماً من دهره».
أي كانت هذه الكلمة الطيبة بعد معرفة معناها منجية له من الخلود في النار-وهذا أكرره لكي يرسخ في الأذهان-وقد لا يكون قد قام بمقتضاها من كمال العمل الصالح والانتهاء عن المعاصي، ولكنه سلم من الشرك الأكبر وقام بما يقتضيه ويستلزمه شروط الإيمان من الأعمال القلبية-والظاهرية حسب اجتهاد بعض أهل العلم وفيه تفصيل ليس هذا محل بسطه- (¬1)؛ وهو تحت المشيئة، وقد يدخل النار جزاء ما ارتكب أو فعل من المعاصي أو أخل ببعض الواجبات، ثم تنجيه هذه الكلمة الطيبة أو يعفو الله عنه بفضل منه وكرمه، وهذا معنى قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - المتقدم ذكره: «من قال: لا إله إلا الله، نفعته يوماً من دهره»، أما من قالها بلسانه ولم يفقه معناها، أو فقه معناها ولكنه لم يؤمن بهذا المعنى؛ فهذا لا ينفعه قوله: لا إله إلا الله، إلا في العاجلة إذا كان يعيش في ظل الحكم الإسلامي وليس
في الآجلة.
¬_________
(¬1) هذه عقيدة السلف الصالح، وهي الحد الفاصل بيننا وبين الخوارج والمرجئة. [منه].

الصفحة 16