كتاب موسوعة الألباني في العقيدة (اسم الجزء: 2-3)

قبل الآخرة، نحن نعلم جميعاً أن قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه؛ حرم الله بدنه على النار» (¬1)، وفي أحاديث أخرى: «دخل الجنة»، فلا يمكن ضمان دخول الجنة ولو بعد لَأْيٍ، ولو بعد عذاب يمس القائل والمعتقد الاعتقاد الصحيح لهالكلمة فإن هذا قد يعاقب بناءً على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام، ولكن سيكون مصيره دخول الجنة، وعلى العكس من ذلك من قال هذه الكلمة الطيبة بلسانه، ولما يدخل الإيمان إلى قلبه، فذلك لا يفيد شيئاً في الآخرة، قد يفيد في الدنيا النجاة من القتال ومن القتل، أما في الآخرة فلا يفيده شيئاً إلا إذا قالها فاهماً لمعناها أولاً، ومعتقداً لهذا المعنى؛ لأن الفهم والمعرفة وحدها لا يكفي إلا إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم، وهذه نقطة أظن أن كثيراً من الناس عنها غافلون، وهي: لا يلزم من الفهم الإيمان، لا بد أن يقترن كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمناً، ذلك لأنكم تعلمون إن شاء الله أن كثيراً من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمداً - صلى الله عليه وآله وسلم - رسول صادق فيما يدعيه من الرسالة والنبوة، ولكن مع ذلك، أي مع هذه المعرفة التي شهد لهم بها ربنا تبارك وتعالى حين قال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة: 146)، ومع ذلك فهذه المعرفة ما أغنتهم شيئاً، لماذا؛ لأنهم لم يصدقوه فيما عرفوا منه من ادعاء النبوة والرسالة، ولذلك فالإيمان يسبقه المعرفة ولا تكفي وحدها، لا بد أن يقترن معها الإيمان، فإذاً إذا قال المسلم لا إله إلا الله بلسانه، فعليه أن يضم إلى ذلك معرفة معنى هذا الكلمة بإيجاز ثم بالتفصيل، فإذا عرف وصدق وآمن، فهو الذي يصدق عليه تلك الأحاديث التي ذكرت بعضها
¬_________
(¬1) الصحيحة (3/ 297).

الصفحة 34