كتاب موسوعة الألباني في العقيدة (اسم الجزء: 2-3)

فآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين أن المشركين كانوا أولاً يؤمنون بوجود الله وثانياً لا يجعلون شريكاً لله في ذاته، فلا يعتقدون أن هناك خالقاً معه، نافعاً معه، ضاراً معه، بل كانوا يعتقدون أن الأمر كله بيده تبارك وتعالى، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن الله عز وجل لما أرسل الرسل وأنزل الكتب، لم يفعل ذلك لكي يدعو الناس إلى الاعتقاد بوجود الله وبأنه هو الضار النافع، وأنه لا شريك له في شيء من ذلك، ما بعثهم ولا أنزل الكتب من أجل هذا؛ لأن هذا أمر مفطور في الناس حتى المشركين، ولذلك صرحت الآية الكريمة أن المشركين إذا سئلوا: {أإلهٌ مَعَ اللَّهِ}، فرقوا بين الإله وبين الرب، فهم يشركون في الألوهية ولا يشركون في الربوبية، يعتقدون بأن الله هو رب العالمين وحده لا شريك له، وأنهم إذا وقعوا في مصيبة أو في بلية تضرعوا إلى الله والتجؤوا إليه؛ لما وقر في نفوسهم من أن الله هو الضار وهو النافع، فهم كانوا يؤمنون بما كان يسمى عند العلماء بتوحيد الربوبية، لكن الله أرسل الرسل وأنزل الكتب لدعوة هؤلاء الناس جميعاً إلى عبادته وحده لا شريك له، ليس إلى اعتقاد أنه واحد في ذاته، وأنه لا خالق معه، لاحظ الاعتقاد كانوا يؤمنون به بصريح القرآن الكريم، وإنما الذين كانوا يكفرون به أن هناك أشخاصاً مخلوقين ويستحقون أن يعبدوا مع الله تبارك وتعالى، وهذا صريح في القرآن، حيث قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأعراف: 194)، الذين تدعونهم في الشدة هم عباد أمثالكم.
{إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} (فاطر: 14)؛ لأنهم يعتقدون أنهم عبيد، ولذلك قال عز وجل في الآية الأخرى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر: 3).

الصفحة 71