كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 20 """"""
إلا بحاجته ، فقالت المرأة لابنتها : أي الرجال أحب إليك الكهل الجحجاح ، الواصل المناح ، أم الفتى الوضاح ؟ قالت : بل الفتى الوضاح ، فقالت : إن الفتى يغيرك ، وإن الشيخ يميرك ، وليس الكهل الفاضل ، الكثير النائل ، كالحديث السن ، الكثير المن ، قالت يا أماه : إن الفتاة تحب الفتى ، كحب الرعاء أنيق الكلا ، قالت : أي بنيه إن الفتى شديد الحجاب ، كثير العتاب ، قالت : إن الشيخ يبلي شبابي ، ويدنس ثيابي ، ويشمت بي أترابي ، فلم تزل أمها بها حتى غلبتها على رأيها ، فتزوجها الحارث على مائة وخمسين من الإبل وخادم والف درهم ، فابتنى بها ، ثم رحل بها إلى قومه فبينا هو ذات يوم جالس بفناء قومه وهي إلى جانبه ، إذ أقبل شباب من بني أسد يعتلجون فتنفست الصعداء ، ثم أرخت عينيها بالبكاء ، فقال : ما ببكيك ؟ قالت : مالي وللشيوخ ، الناهضين كالفروخ ، فقال لها : ثكلتك أمك تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ، ثم قال لها : وأبيك ، لرب غارة شهدتها ، وسبية أردفتها ، وخمرة شربتها ، فالحقي بأهلك فلا حاجة لي فيك ، وهذا المثل يضرب في صيانة الرجل نفسه عن خسيس المكاسب .
وقولهم : " تحبشأ لقمان من غير شبعٍ " : يضرب لمن يدعي ما ليس يملك .
وقولهم : " تخبر عن مجهوله مرآته " : أي منظره يخبر عن مخبره .
وقولهم : " تشكو إلى غير مصمتٍ " : أي إلى من لم يهتم بشأنك . قال الشاعر
إنك لا تشكو إلى مصمت . . . فاصبر على الحمل الثقيل أومت
وقولهم : " تجاوز الروض إلى القاع القرق " : يضرب لمن يعدل بحاجته من الكريم إلى اللئيم ، والقرق : " المستوى .
وقولهم : " تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه " ويروى : لا أن تراه : يضرب لمن خبره خير من مرآه ، أول من قاله : المنذر بن ماء السماء .