كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 317 """"""
كلبية ، إلا أن الكلب يحرس المنزل بكسرة ، وابن أبي خالد يقتل المظلوم ، ويعين الظالم بأكلة ، فأجرى عليه المأمون في كل يوم ألف درهم لمائدته ، وكان مع ذلك يشره إلى طعام الناس . ولما انصرف دينار بن عبد الله من الجبل ، قال المأمون لأحمد بن أبي خالد : امض إلى هذا الرجل وحاسبه وتقدم إليه يحمل ما يحصل لنا عليه وأنفذ معه خادما ينهي إليه ما يكون منه ، وقال : إن أكل أحمد عند دينار عاد إلينا بما نكره ، ولما اتصل خبر أحمد بدينار ، قال للطباخ : إن أحمد أشره من نفخ فيه الروح ، فإذا رأيته فقل له : ما الذي تأمر أن يتخذ لك ؟ ففعل الطباخ ، فقال أحمد : فراريج كسكرية بماء الرمان تقدم مع خبز الماء بالسميد ، ثم هات بعدها ما شئت ، فابتدأ الطباخ بما أمر ، وأخذ أحمد يكلم دينارا ، فقال له : يقول لك أمير المؤمنين : إن لنا قبلك مالا قد حبسته علينا ، فقال : الذي لكم ثمانية آلاف ألف ، قال فاحملها ، قال : نعم ، وجاء الطباخ فاستأذن في نصب المائدة ، فقال أحمد : عجل بها فإني أجوع من كلب ، فقدمت وعليها ما اقترح ، وقدم الدجاج وعشرين فروجا كسكرية فأكل أكل جائع نهم ، ما ترك شيئا مما قدم ، فلما فرغ وقدر الطباخ أنه قد شبع ، لوح بطيفورية فيها خمس سمكات شبابيط كأنها سبائك الفضة ، فأنكر أحمد عليه إلا قدمها ؟ وقال : هاتها ، وأعاد أحمد الخطاب ، فقال دينار : أليس قد عرفتك إن الباقي لكم عندي سبعة آلاف ألف ؟ قال أحسبك اعترفت بأكثر منها ، فقال : ما اعترفت إلا بها ، فقال : هات خطك بما اعترفت به ، فكتب بستة آلاف ألف فقال أحمد : سبحان الله أليس قد اعترفت بأكثر من هذا ؟ قال : ما لكم قبلي إلا هذا المقدار ، فأخذ خطه بها وتقدم الخادم ، فأخبر المأمون بما جرى ، فلما ورد أحمد ناوله الخط ، فقال : قد عرفنا ما كان من الألف ألف بتناول الغداء ، فما بال الألف ألف الأخرى ، فكان المأمون بعد ذلك يقول : ما أعلم غداء قام على أحد بألفي ألف إلا غداء دينار ، واقتصر على الخط ولم يتعقبه كرما ونبلا .