كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 3)

"""""" صفحة رقم 319 """"""
الشجاع يقاتل عمن لا يعرفه ، والجبان يفر عن عرسه ، وأن الجواد يعطي من لا يلزمه ، وأن البخيل يمسك عن نفسه ، وقال شاعر :
يفر جبان القوم عن عرس نفسه . . . ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه
وقالوا : الجبن غريزة كالشجاعة يضعها الله فيمن شاء من خلقه .
قال المتنبي :
يرى الجبناء أن الجبن حزمٌ . . . وتلك خديعة الطبع اللئيم وقالوا : حد الجبن الضن بالحياة ، والحرص على النجاة .
وقالت الحكماء في الفراسة : من كانت فزعته في رأسه ، فذاك الذي يفر من أمه وأبيه ، وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه .
ويقال : أسرع الناس إلى الفتنة أقلهم حياء من الفرار . وقال هانيء الشيباني لقومه يوم ذي قار يحرضهم على القتال : يا بني بكر هالك معذور ، خيرٌ من ناجٍ فرور ، المنية ، ولا الدنية ، استقبال الموت خير منه استدباره ، الثغر في ثغور النحور ، خير من في الأعجاز والظهور ، يا بني بكر قاتلوا ، فما من المنايا بدٌ ، الجبان مبغض حتى لأمه ، والشجاع محببٌ حتى لعدوه .
ويقال : الجبن خير أخلاق النساء ، وشر أخلاق الرجال .
وقال يعلى بن منبه لقومه حين فروا من علي يوم صفين : إلى أين ؟ قالوا : ذهب الناس ، قال : أفٍّ لكم فرارا واعتذارا قال : ولما قوتل أبو الطيب المتنبي ورأى الغلبة عليه فر ، فقال له غلامه : أترضى أن يحدث بهذا الفرار عنك ؟ وأنت القائل :
الخيل والليل والبيداء تعرفني . . . والطعن والضرب والقرطاس والقلم
فكر راجعا ، وقاتل حتى قتل ، واستقبح أن يعير بالفرار .

الصفحة 319