كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 3)
"""""" صفحة رقم 329 """"""
نافع ، حكي أنه شرد له بعيرٌ ، فقال : من جاء به فله بعيران ، فقيل له : أتجعل في بعير بعيرين ؟ فقال : إنكم لا تعرفون فرحة الوجدان .
وقد رضي قومٌ بالجهل فقالوا : ضعف العقل أمانٌ من الغم ، وقالوا : ما سر عاقل قط ، قال أبو الطيب المتنبي :
ذو العقل يشقي في النعيم بعقله . . . وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وقال حكيمٌ : ثمرة الدنيا السرور ، ولا سرور للعقلاء ، وقال المغيرة بن شعبة : ما العيش إلا في إلقاء الحشمة . وقال بكر بن المعتمر : إذا كان العقل سبعة أجزاءٍ احتاج إلى جزء من جهلٍ ليقدم على الأمور ، فإن العاقل أبدا متوانٍ مترقبٌ متوقف متخوف ، قال النابغة الجعدي :
ولا خير في حلم إذا لم تكن له . . . بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
وقال آخر :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته . . . وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
أخذه آخر فقال :
من راقب الناس مات غماً . . . وفاز باللذة الجسور
وقالوا : الجاهل ينال أغراضه ، ويظفر بأرائه ، ويطيع قلبه ، ويجري في عنان هواه ، وهو بريءٌ من اللوم ، سليمٌ من العيب ، مغفور الزلات .
وقالوا : الجاهل رخي الذرع ، خالي البال ، عازب الهم ، حسن الظن ، لا يخطر خوف الموت بفكره ، ولا يجري ألم الإشفاق على ذكره .
وقالوا : الجهل مطية المراح والمسرة ، ومسرح المزاح والفكاهة ، وحليف الهوى والتصابي ، وصاحبه في ذمامٍ من عهده اللوم والعتب ، وأمانٍ من قوارص الذم والسب ، قال بعض الشعراء :
ورأيت الهموم في صحة الع . . . قل فداويتها بإمراض عقلي